كتبت امال خليل في صحيفة “الأخبار”:
لم يمل أهالي بسري والجوار والناشطون من تنظيم رحلات مسير، أسبوعياً، في مرج بسري علّهم يؤثرون على الدولة لتعيد النظر في مشروع إنشاء سد بسري الذي سيقضي على ستة ملايين متر مربع من الأحراج والبساتين ومجاري المياه والمواقع الأثرية.
ليست الدولة فقط من لا يهتم لرفض إنشاء السدّ. البنك الدولي الذي يؤمن جزءاً كبيراً من تمويل المشروع، خالف نظامه الداخلي الذي يشترط «بذل اقصى جهد لاستشارة جميع السكان المحليين المعنيين قبل تبني أي مشروع» بحسب منسق «الحملة الوطنية لإنقاذ مرج بسري» رولان نصور. إذ أن فرع البنك في لبنان «وجّه الدعوة للسكان لحضور جلسات نقاش حول المشروع، عبر وسائل الإعلام والمواقع الإلكترونية» وفق ما ورد في دراسة الأثر البيئي التي أجرتها شركة «دار الهندسة» لصالح وزارة الطاقة والمياه عام 2012. وورد فيها بأنه تم الإستماع إلى آراء «0.083 في المئة من الأهالي الذين كانت آراؤهم سلبية. فضلاً عن حضور 5.69 في المئة من المالكين وتسع نساء فقط، لجلسات النقاش حول المشروع». البنك نفسه «رد شكوى تقدمت بها الحملة أمام لجنة التفتيش عام 2018 لأنها لم تقتنع بحيثياتها»، وفق نصور.
الموعد الدائم لتحركات الأهالي ضد المشروع، نهاية كل أسبوع، بدا السبت الفائت كأنه آخر المواعيد. عند مدخل المرج، بدأت معالم المشروع تأخذ مكانها. شركة «نيوريل اوزالتن» التركية التي كلّفها مجلس الإنماء والإعمار تنفيذ الأشغال، استقدمت الأربعاء الماضي آليات وجرافات وغرفاً جاهزة للعمال والمهندسين. أحد المشرفين على الآليات، قدم نفسه على أنه «مسؤول الموقع»، قال لـ «الأخبار» إن «الأشغال لن تبدأ قبل نحو عام. لكن مجلس الإنماء والإعمار أوعز لنا باستقدام الآليات والحراس لمنع دخول المواطنين إلى المرج (نحو 800 عقار لأهالي بلدات في جزين والشوف) بعدما استملكته الدولة ودفعت التعويضات». والسبب أن «الفوضى انتشرت في الأحراج والبساتين المستملكة، وصار بعض أصحاب الأراضي المستملكة وسواهم يدخلون ويقطعون الشجر المعمر والمثمر لاستخدامه أو بيعه كحطب». فضلاً عن أن بعض بلديات الشوف سمحت لسكانها بقطع الأشجار «التي سيقطعها المشروع عاجلاً ام آجلاً»! علماً أن المجلس أكد في بيان أصدره في تشرين الأول الماضي أن «عدد الأشجار التي سيتم قطعها يقدر بنحو 60 ألف شجرة مثمرة و60 ألفاً حرجية».
لم ينتظر البعض المجزرة التي ستلحقها الدولة بمرج بسري. عدا عن قطع الأشجار، استحدثت مرملة في سفح بلدتي عاراي والميدان (قضاء جزين) ومقلع في سفح خربة بسري. المشهد الحالي سيتوسع عندما تنطلق الأشغال. الناشط جورج عيد من مزرعة الضهر (الشوف) المطلة على المرج، يشير إلى أن فريقاً من المجلس اختبر نوعية الصخور المعروفة بـ«الشير» في جبل المباركة المقدس لقلعها واستخدامها في إنشاء السد الصخري. برأي عيد، قد يتحول الجبل إلى مقلع ضخم بعد أن دخل في استملاك السد على غرار كنيسة مار موسى الحبشي وما يحيط بها من مواقع أثرية تعود إلى ما قبل الميلاد. فيما لفت نصور إلى أن دراسة الأثر البيئي أكّدت بأن «الصخور ستؤمن من موقع يقع بين السد وصيدا»، مرجحاً أن يكون الموقع المقصود هو كفر فالوس.
المستجدات الأخيرة في بسري، استوقفت «الحركة البيئية اللبنانية» التي دعت وزير البيئة الجديد فادي جريصاتي إلى تجميد الأشغال في الوادي الذي صنفته وزارته عام 1998 كموقع طبيعي، وصنفته «الخطة الشاملة لترتيب الأراضي في لبنان» عام 2009 كمنتزه وطني. وذكرت بالتقارير الجيولوجية «التي تثبت وجود خطر زلزالي جدي بسبب موقع السد في نقطة حساسة يلتقي عليها فالقا روم وبسري الناشطان تكتونياً، ويمتد احدهما (فالق بسري) تحت البحيرة وتحت منشأة السد، ما يمنع (وفق المعايير الاوروبية وسواها) تشييد أي منشأة فوقه».