بغضّ النظر عما سيقوله البيان الوزاري العتيد في شأن العلاقات بين بيروت ودمشق، وما اذا كان سيأتي على ذكر التطبيع أم لا، علما ان بات شبه محسوم أنه سيلحظ مجددا التزام لبنان سياسة “النأي بالنفس”، يبدو ان النظام السوري قرر، من جانبه، الشروع في مسار “العودة” الى الداخل اللبناني. وبحسب ما تقول مصادر سياسية سيادية لـ”المركزية”، هذا التوجّه لم يعد “نظريا” فقط، بل بات “عمليّا” وتجلّى في خطوات عدة، سُجّلت في الاسابيع القليلة الماضية.
أبرز تجليات المساعي السورية، ظهر في “الجبل”، من خلال اعادة لمّ شمل الدروز حلفاء دمشق، وفضّ الاشكال الذي باعد لسنوات بين رئيس الحزب “الديمقراطي اللبناني” طلال ارسلان ورئيس حزب “التوحيد العربي” وئام وهّاب. والهدف من هذه “المصالحة” محاصرة رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط وإضعاف هالته وتأثيره داخل البيئة الدرزية اولا، وعلى الساحة الوطنية ثانيا، حيث يشكّل رأس حربة في مواجهة عودة النفوذ السوري الى لبنان. “خرق” الزعامة الجنبلاطية ترافق ايضا مع محاولات لخرق البيت السني، عبر خلق “اللقاء التشاوري” الذي جمع شخصيات سنيّة معارضة لتيار “المستقبل” وخياراته الاستراتيجية، ومؤيّدة للنظام السوري وخط الممانعة في المنطقة. كل ذلك في حين لم تتردد دمشق، في الساعات الماضية، الاشادة ببعض الوزراء اللبنانيين، العائدين الى الحكومة والجدد فيها، كونهم من “أصدقائها”!
غير ان ما يزيد الوضع اللبناني هشاشة ويساعد دمشق في تحقيق مبتغاها، تضيف المصادر، فيتمثل في التبدل الجذري في موقف جهات لبنانية بارزة، باتت تميل بوضوح الى خيار تفعيل العلاقات مع النظام السوري. وهنا، ليس “حزب الله” المقصود، فالأخير من الطبيعي ان يطالب بالتطبيع، بل “التيار الوطني الحر”. فبعيد مواقف رئيسه “النوعية” من ضرورة اعادة سوريا الى الجامعة العربية التي أطلقها على مسامع العرب في القمة العربية الاقتصادية التي استضافتها بيروت الشهر الماضي، جدد وزير الخارجية جبران باسيل هذا المطلب من بروكسل الاثنين، في وقت اعتبر، خلال محاضرة ألقاها في معهد العلوم السياسية في باريس، أن “من مصلحتنا إعادة العلاقات مع سوريا التي لا تزال تحتفظ بمقعدها في الأمم المتحدة، حتى لو كنّا قد خضنا معارك سابقة معها، لأنها الجار الوحيد للبنان”.
وإذ تشير الى ان “أنتينات” الفريق “السيادي” في الداخل رصدت هذا النَفَس السوري، وهي عقدت العزم على التصدي له، تقول المصادر ان زيارة الوزير أكرم شهيب الى رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع موفدا من جنبلاط، الاثنين، تأتي في إطار تنسيق الجهود ورص الصفوف لمواجهة اي محاولات لتشريع الابواب اللبنانية امام التدخلات السورية مجددا، وإعطاء مشروعية لبشار الاسد عبر بيروت فيما المجتمع العربي والدولي يرفض اي “تأهيل” له، أقلّه في الوقت الراهن، قبل ان يعلن بوضوح فك ارتباطه بإيران.
والحال انه، وخلال اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الاوروبي وجامعة الدول العربية في بروكسل الاثنين، اكد المجتمعون أن لا علاقات مع سوريا من دون حل سياسي وانتقال للسلطة. وأعلن الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أنه “لا يوجد توافق عربي كامل، في الوقت الحالي، على إعادة منح نظام الأسد مقعد سوريا في الجامعة بسبب وجود تحفظات لدى بعض الدول”، مشيرا الى ان “الحل السياسي يظل هو المخرج الوحيد للأزمة السورية، وفقا للقرارات الأممية ذات الصلة”. من جهتها، قالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغريني إن “التوصل إلى حلّ سياسي في سوريا تحت إشراف الأمم المتحدة شرط مسبق للتطبيع مع نظام الأسد”.
فهل يتمكّن الفريق السيادي والموقف الدولي من فرض نفسه على الموقف اللبناني الرسمي من دمشق؟ أم ينجح الفريق الآخر في دفع بيروت الى “التطبيع” بـ”ذرائع” النزوح والمصالح التجارية- الاقتصادية؟