Site icon IMLebanon

تفاؤل مسيحيي لبنان بزيارة البابا فرنسيس إلى الإمارات

كتبت صحيفة “العرب” اللندنية:

ينظر المسيحيون في لبنان بشغف واهتمام إلى الزيارة التاريخية التي يقوم بها البابا فرنسيس إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. ولطالما اعتبر مسيحيو الشرق أن المسيحيين في لبنان يمثلون الواجهة الصادقة لمزاج المسيحيين في المنطقة، والناطقين باسم أحوال المسيحيين وهواجسهم في الشرق الأوسط.

ويؤكد المسيحيون في لبنان على ضرورة أن تعود المنطقة ميدان تعايش وتحاور وسلم بين الديانات الثلاث. وقد مثلهم في الإمارات، البطريرك الماروني بشارة الراعي، الذي يشارك في الاحتفالية الكبرى في الإمارات، وأشار في مداخلة خلال مؤتمر الأخوة الإنسانية إلى أن “الديانات الثلاث التوحيدية تحمل في تقاليدها الروحية تراث سلام قادر على تعزيز الإخاء وتغيير العالم”.

وأضاف الراعي أنه “بالنسبة إلى المسيحيين يكفي أن نفكر بعظة الجبل المعروفة بالتطويبات كدستور أخوة وسلام. وبالنسبة إلى المسلمين نفكر بالألقاب التسعة والتسعين التي يطلقونها على الله وأخصها ‘الرحمن، الرحيم، الغفور’. وبالنسبة إلى اليهودية، نفكر بنبوءة إِشعياء ‘لنصعد إلى جبل الرب فإنه يعلمنا أن نسلك طرقه.. الرب يحكم بين الأمم ويقضي لشعوب كثيرين، فيصنعون سيوفهم سككا، ورماحهم مناجل، فلا ترفع أمة على أمة سيفا، ولا يتعلمون الحرب من بعد’”.

تثبيت فكرة التعايش

ما بين الروحي والسياسي، يهم المسيحيون في لبنان أن يعاد تصحيح صورة الإسلام والمسلمين في العالم، ذلك أن تثبيت الاعتدال في المنطقة هو تثبيت لفكرة التعايش التي تتيح لمسيحيي المنطقة أن يبقوا أصلا بها، بما يكافح موجات الهجرة التي تدفع المسيحيين إلى مغادرة بلدانهم وتاريخهم الطويل في هذه الديار.

واعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، أن “زيارة قداسة البابا فرنسيس الثاني إلى دولة الإمارات العربية المتحدة زيارة تاريخية بكل ما للكلمة من معنى”. ولفت إلى أن الزيارة “أظهرت الوجه الحقيقي للإسلام بعد أن تم تشويهه من قبل جماعات مختلفة ذهب البعض منها في الإجرام إلى حد لم يبلغه أحد قبلها في التاريخ”.

ويدور الجدل داخل الأوساط المسيحية في لبنان حول سبل دعم الحضور المسيحي في الشرق وتعزيز دوره في الخطاب السياسي العام بعد مرحلة ظلامية مرت بها المنطقة دفع فيها المسيحيون قسطا كبيرا دمويا مؤلما.

يهم المسيحيين في لبنان أن يعاد تصحيح صورة الإسلام والمسلمين في العالم، ذلك أن تثبيت الاعتدال في المنطقة هو تثبيت لفكرة التعايش التي تتيح لمسيحيي المنطقة أن يبقوا أصلا بها

وغرّد النائب سامي الجميل عبر حسابه على تويتر، بالقول “نقدر ونرحب بزيارة قداسة البابا فرنسيس إلى دولة الإمارات في هذا الوقت الذي يحتاج فيه العالم العربي إلى الحوار والانفتاح وندعوه إلى زيارة لبنان، الأرض المقدسة ورمز التعددية!”.

ويرى المسيحيون في لبنان أن شعور المسيحيين بالتهميش والغبن في بعض الأحيان ليس بالضرورة دائما بسبب الظروف المحلية وقساوتها، بل يعود أيضا إلى تهميش وإهمال لحالهم من قبل عواصم كبرى في العالم لا يستثنى الفاتيكان نفسه منها.

واعتبر جعجع أن المشهد في الإمارات “يعطي فكرة واضحة عما سيكون عليه المستقبل في الشرق الأوسط. لذا نوجّه تحية كبيرة للقيادة الإماراتية على هذه الخطوة الشجاعة والمتقدمة والتي ستدفع بالكثيرين إلى الحذو حذوها لأنه بهذه الطريقة يحضِّر العرب فعلا لربح المستقبل وإعادة أمجاد الماضي”.

ويروي رجال دين مسيحيون في لبنان أنهم لطالما استغربوا أثناء المؤتمرات التي جمعتهم برجال دين مسيحيين في العالم الغربي حجم الجهل الذي تتسم به الكنائس الغربية في ما يتعلق بمسيحيي الشرق إلى درجة استغراب هذا الحضور أو التقليل من دوره وتاريخه منذ ظهور المسيحية حتى الآن.

واعتبرت النائب ستريدا جعجع في بيان صدر عن مكتبها أن “أحد أهم أسباب الزيارة هو عمل البابا على توطيد العلاقات بين الفاتيكان والقيادات المسلمة في العالم، حيث يأتي استقبال إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب له في مطار الإمارات في هذا الإطار”.

ولفتت جعجع إلى أن “هذا الأمر ليس بجديد باعتبار أن البابا يعمل على هذه القضيّة منذ توليه السدّة البابويّة وهو قد التقى إمام الأزهر في ثلاث مناسبات سابقة، إلا أن الأمر الأهم في هذه الزيارة هو أنها المرّة الأولى التي يزور فيها الحبر الأعظم إحدى دول الخليج العربي حيث سيقام قداس للمرّة الأولى في مكان عام في ملعب مدينة زايد الرياضية ويتوقع أن يحضره أكثر من 135 ألف شخص”.

يرى المسيحيون في لبنان في زيارة البابا فرنسيس للإمارات عودة لاهتمام الفاتيكان بالشرق المسلم وعودة لتمتين الوصل مع أهل المنطقة، مسلمين ومسيحيين، وعودة لتصويب الوصل بين الكنيسة الكاثوليكية والإسلام بعد حقبة مرتبكة في عهد البابا السابق بنديكت السادس عشر.

وكانت تصريحات صدرت عن البابا السابق وصف فيها الدين الإسلامي بأنه دين عنف. وقد أثارت تلك التصريحات الصادرة عن رأس الكنيسة الكاثوليكية آنذاك استنكارا من قبل المنابر الإسلامية، كما ألقت ظلالا سلبية على العلاقة بين الفاتيكان والقيادات الروحية الإسلامية في العالم.

ويعوّل المسيحيون في لبنان على دور أكثر حيوية للفاتيكان في شؤون المنطقة، ويعتبرون أن الرسالة التي يطلقها البابا فرنسيس في الإمارات ستعزز من مستوى التسامح المتبادل بين المسلمين والمسيحيين، وستمنح المسيحيين في المنطقة المزيد من المناعة لمجابهة الاستحقاقات القاسية التي تمر بها المنطقة. وينوه المسيحيون في لبنان بالدور المثالي الذي تقوم به الإمارات في سبيل تعميم ثقافة التسامح والاعتدال وهي بدعوتها للحبر الأعظم ترفع إلى العالمية رسالتها في هذا المضمار.

حضور البابا فرنسيس إلى الخليج العربي على مقربة من مهد الحضارة الإسلامية وكعبة المسلمين، وحفاوة الاستقبال الذي حظي به، سواء من قبل القيادات الإماراتية أو من قبل القيادات الإسلامية وفي مقدمهم إمام الأزهر الشيخ أحمد الطيب، سيبدلان من مزاج التعصب الذي فرضته الجماعات الإرهابية من القاعدة إلى داعش وأشباههما، ويروجان لفكر الاعتدال والانفتاح والوسطية داخل المنطقة التي انبعثت منها الأديان السماوية الثلاثة.