لن تكون الذكرى الثالثة عشرة لتوقيع تفاهم مار مخايل بين “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” كسابقاتها. ذلك أن الاتفاق الذي أراد طرفاه في بداياته تكريس الشراكة والتفاهم بين قوتين كبيرتين على الساحتين الشيعية والمسيحية تعرض لكثير من الهزات السياسية التي دفعته إلى الرقص على حافة الهاوية قبل أن يدخل “سعاة الخير” على الخط لإنقاذه ومدّه بالحياة في اللحظات الحرجة.
وإذا كان طرفا التفاهم يبديان حرصا شديدا على التأكيد أن التفاهم بينهما لا يعني التحامهما الكامل والشامل في كل القضايا، وفي ذلك محاولة واضحة لقطع الطريق على ما يعتبرانه اصطيادا في الماء العكر عند افتراقهما على بعض الملفات، فإن استعادة سريعة لشريط الأحداث السياسية منذ 13 عاما إلى اليوم تبين بأن بين الحزبين علاقة يمكن وصفها بـ”غير السوية” القائمة أولا على المصالح السياسية الآنية والبعيدة المدى، علما أن ندوبا عدة تشوبها قبل أن يتدخل “المصلحون” لتطبيع العلاقات بينهما.
وفي سياق اجراء هذه المراجعة، تشير مصادر سياسية، عبر “المركزية”، إلى أن الموضوعية تقتضي الاعتراف للأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله بأنه “رد الدين” الذي رتبته عليه حرب تموز تجاه العماد ميشال عون. ذلك أن “حزب الله” لم يتوان عن تعطيل البلد على مدى أكثر من عامين لإيصال “مرشحه” إلى رئاسة الجمهورية العماد ميشال عون، وإن كان وفاء هذا الدين انتظر طويلا جرعة زرقاء تأخر الرئيس سعد الحريري في مده بها، إلى أن اقتنص اللحظة السياسية التي اعتبرها مناسبة للإقدام على هذه الخطوة.
غير أن المصادر تسارع إلى الاشارة إلى أن، في الوقت نفسه، لم يتأخر رئيس الجمهورية في رد الجميل للحزب، بدليل أن في وقت عوّل الشارع اللبناني على مساعيه لإعادة لبنان إلى حضن الاجماع العربي، أطلق عون مواقف مؤيدة لسلاح الحزب، ما رفع منسوب المخاوف من جر لبنان إلى محور الممانعة، فيما هو في عين الاستهدافات الأميركية، بفعل تصميم الرئيس الأميركي دونالد ترامب على “كسح الألغام الايرانية” في الشرق الأوسط، أيا تكن النتائج والاعتبارات الاقليمية في منطقة تغلي بالحروب الطائفية.
وفي وقت أخذت بعض الأطراف المناوئة للنهج السياسي السائد في البلاد منذ دخول تسوية العام 2016 حيز التنفيذ، على “بي الكل” تأييده المطلق للضاحية، تنبه المصادر إلى أن الانتخابات النيابية الأخيرة، تماما كما مفاوضات تشكيل الحكومة الحديثة الولادة شهدت توترا كبيرا في العلاقات بين الطرفين، قد يكون أحد أبرز عوامله رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل.
وفي محاولة لتشريح هذا الاستنتاج، تذكّر المصادر بأن باسيل لم يخف امتعاضه الشديد من إقدام “حزب الله” على خطوة غير مسبوقة كترشيح حسين زعيتر عن المقعد الشيعي في دائرة كسروان – جبيل، التي لطالما اعتبرت قلعة برتقالية تاريخية، خصوصا أن قبل بلوغ منصبه الرئاسي، مثّل عون أبناء هذه المنطقة في الندوة البرلمانية.
كذلك، وقف باسيل على مدى شهور سدا منيعا في وجه محاولة عدم ضم ممثل “اللقاء التشاوري” السني المناهض للحريري، والذي يحظى بتأييد مطلق من الضاحية، إلى حصة رئيس الجمهورية، في مسعى مبطن إلى نيل الثلث المعطل في الحكومة، ما دفع “حزب الله” إلى اتهامه علنا بتعطيل محطات الولادة الحكومية مرار وتكرارا، لاسيما المسعى الذي كان من المفترض أن يبلغ الخواتيم السعيدة قبيل عيد الميلاد، علما أن الحكومة الوليدة استجابت لكل الشروط التي فرضها الحزب للتأليف، أي أنه نال الوزارات التي يريد وضم إلى الحكومة “اللقاء التشاوري” (قافزا فوق الاعتراض العلني الذي كان عون قد أبداه على هذه الخطوة في ذكرى انتخابه الثانية).
غير أن المصادر تختم بالإشارة إلى أن “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” لم ينفذا البند المتعلق ببناء الدولة من نص اتفاقهما لأسباب عدة. نقطة قد تشكّل كلمة باسيل التي يلقيها السادسة مساء في كنيسة مار مخايل مناسبة لإزالة اللبس في شأنها.