منذ العام 2005، مرت العلاقات بين المكونات الاساسية لما كان يعرف بقوى 14 آذار، تيار “المستقبل” وحزب “القوات اللبنانية” والحزب “التقدمي الاشتراكي”، في تقلبات كثيرة فكانت اسهمها ترتفع تارة لتبلغ حد الالتحام وتنخفض أخرى ربطا بملفات تقنية يومية. بيد ان هذه العلاقات ورغم بلوغها اعلى مستويات التوتر كما حصل اخيرا بين الرئيس سعد الحريري والزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط محكومة بالعودة الى نقطة التقاء ما دام الخلاف لم يلامس المشروع الاستراتيجي الذي يجمعهما والمتمثل بالشق السيادي والنظرة الى مفهوم الدولة.
وتقول مصادر سياسية من هذا الفريق، لـ”المركزية”، ان الاركان الثلاثة يشكلون جبهة احتياط داخلية تقف خلف عناصر الاطمئنان التي تنبعث من لبنان للخارج وتلعب الدور المطلوب في اطار الحفاظ على التوازن السياسي في البلاد وليس مسموحا انفراط عقد هذه الجبهة، لأن لبنان يفقد آنذاك مقومات التوازن الممنوع المس بها دوليا.
وفي موازاة الجهود التي بذلها أكثر من طرف داخلي لاعادة الهدوء على خطوط توتر بيت الوسط – كليمنصو الذي كهربته تغريدة جنبلاطية “فاقعة” اصابت سهامها الرئيس الحريري واستدعت ردا من “سيد السراي” يكاد يكون الاقسى منذ بداية تحالفهما سياسيا وفتحت جبهة نارية بين “التقدمي” و”المستقبل” لم تلجمها سوى تدخلات على اعلى المستويات، كان لرئيس مجلس النواب نبيه بري الحصة الاوفر فيها من موقعه الوسطي القريب من الطرفين، تحركت قنوات الرصد الخارجي فطار وزير الصناعة وائل ابو فاعور نحو الرياض في زيارة سريعة وعاد الى بيروت الأربعاء، وسط تكتم على ما تخللها من نقاشات في الرياض تركزت على الارجح على وجوب وضع حد لانزلاق مسار العلاقات بين الحريري وجنبلاط وضرورة اعادة اللحمة بينهما لتأمين الحصانة اللازمة لجبهة الاحتياط الثلاثية، بعدما “غطّ” وزير التربية الاشتراكي أكرم شهيب قبل أبو فاعور في معراب حيث كان كلام وبحث قواتي – اشتراكي في ما آلت اليه الامور وتم توضيح بعض النقاط الملتبسة ازاء دور الحريري في تشكيل الحكومة وحصص حلفائه.
وتفيد المصادر بأن “القوات اللبنانية” لا تحمّل الحريري مسؤولية عدم حصولها كما الحزب الاشتراكي على حصص وازنة في الحكومة التي تقر بأنها جانحة لمصلحة الفريق الآخر، لكن وكما قال رئيس الحزب سمير جعجع في حديثه لـ”المركزية” السبت الماضي “لم يكن بالامكان افضل مما كان”، والوضع يقتضي المشاركة عوض الاقصاء الذي حاول بعض الاطراف السياسيين دفع “القوات” و”الاشتراكي” في اتجاهه. وتشير في السياق الى ان من غير المنطقي تحميل وزر ضعف الحصة الجنبلاطية الحكومية للحريري، مذكّرةً بأنه كان الى جانب جنبلاط في مطالبته بثلاثة وزراء، الا ان جنبلاط نفسه ابرم تسوية مع الرئيس ميشال عون أفضت الى حل “العقدة الدرزية” واضعا في العهدة الرئاسية الوزير الدرزي الثالث.
وبعيدا من الملفات التقنية التي قد تتباين وجهات نظر “الحلفاء” في شأنها في اي لحظة، تؤكد المصادر ان ما ينتظر الحكومة من تحديات سياسية واستحقاقات على مستوى من الاهمية يوجب تحرك جبهة الاحتياط من داخل الحكم لمواجهته، لاسيما المحاولات المستجدة لـ”تسلل” سوري نحو الساحة اللبنانية السياسية واعادة عقارب الساعة الى الوراء ايحاء بأن المحور السوري – الايراني هو المنتصر القادر على فرض مشروعه في لبنان، وقد تظهرت اشاراته في اعادة توحيد الثنائي الدرزي، أرسلان – وهاب، بعد قطيعة استمرت سنوات بهدف محاصرة “زعيم الجبل” وكسر احاديته في الوسط الدرزي. فالافضل، بحسب المصادر، المواجهة من الداخل بعدما تمكن هذا الفريق من “دحر” عبارة “جيش وشعب ومقاومة” من متن البيان الوزاري بعدما ترسخّت فيه لسنوات، من خلال الانخراط في الحكم والتساكن مع القوى السياسية الاخرى بسياسة ربط النزاع، لأن البقاء خارجه يفوت فرصة استكمال مشروع بناء الدولة كما اثبتت التجارب.