كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
كما كان متوقعاً، تحوّل مستقبل العلاقة مع سوريا تلقائياً، بنداً سجالياً في لجنة البيان الوزاري، ومن المرجّح أن تصبح تداعياته أشد وطأة لاحقاً، حين تبدأ على طاولة مجلس الوزراء المقاربة العملية لهذا البند الخلافي، على وقع تضارب الخيارات والحسابات بين القوى التي تتكوّن منها الحكومة.
أتى كلام وزيرة «القوات اللبنانية» مي شدياق المعترض على موقف وزير الخارجية جبران باسيل، بعد اجتماع اللجنة الوزارية ليؤشر الى عمق الشرخ بين «التيار الوطني الحر» و«القوات» في التعامل مع هذا الملف، والى الايام الصعبة التي تنتظر الحكومة المنقسمة حوله.
بالنسبة الى شدياق، ليس من شأن لبنان أن يطالب بعودة سوريا الى الجامعة العربية، وإنما يجب ترك البت بهذا الأمر الى الجامعة نفسها. رافضة ان يُعبّر باسيل من على المنابر الدولية عن موقف خارجي، ليس هناك اي توافق عليه.
تنسجم «القوات» في هذا الطرح مع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط الذي تفاقمت هواجسه حيال مسار الانفتاح الرسمي على دمشق، خصوصاً بعد تعيين صالح الغريب، القريب من النائب طلال ارسلان، وزيراً لشؤون النازحين، بالترافق مع تصريحات باسيل الذي قد يزور العاصمة السورية قريباً.
اما الرئيس سعد الحريري، وعلى رغم من موقفه العدائي المبدئي حيال النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، فإنّه يبدو أكثر براغماتية في التعاطي مع الوقائع الجديدة، وهذا ما عكسه من خلال موافقته على تسلُّم صالح الغريب وزارة النازحين خلفاً للوزير «المستقبلي» معين المرعبي، إضافة الى اختياره ريّا الحسن وزيرة للداخلية مكان نهاد المشنوق.
والحريري الذي وُضِع إسمه على «لائحة الإرهاب السورية» سيكون مضطراً الى التفريق بين عدائه الشخصي للأسد وبين حقيقة أنّه يترأس حكومة وحدة وطنية تضمّ حلفاء لدمشق، إضافة الى أنّ عليه أيضاً الإحتساب لاحتمال تطور الليونة العربية المستجدة حيال الرئيس السوري، والتي تمثلت في فتح دولة الامارات العربية المتحدة المتحالفة مع السعودية سفارتها في دمشق.
لكن المتحمسين لإعادة سوريا الى صفوف الجامعة العربية، ولتفعيل العلاقة اللبنانية معها، يعتبرون انّ طرح «القوات» و«الاشتراكي» لم يعد له مكان في الإعراب السياسي، وهو ينتمي الى مرحلة انتهت، «إلاّ أنّ بعض اللبنانيين لا يزال يصرّ على البقاء فيها، من دون ان يتكيّف مع التطورات السورية والاقليمية التي كرّست بقاء نظام الرئيس الاسد».
وتعتبر أوساط «التيار الوطني الحر»، انّ المعترضين على سلوك وزير الخارجية، ومن ضمنهم «القوات»، يتجاهلون الحقائق الآتية:
– إنّ رئيس الجمهورية هو معني أساسي بالسياسة الخارجية، كون الدستور منحه صلاحية التفاوض الخارجي وتوقيع الاتفاقات والمعاهدات، وبالتالي فإنّ الرئيس ميشال عون يدعم الانفتاح على سوريا واستئناف حضورها في جامعة الدول العربية، الامر الذي يشكّل غطاء كافياً لوزير الخارجية.
– إنّ رئيس مجلس الوزراء لا يضع السياسة الخارجية، بل هو ناطق باسم الحكومة.
– انّ وزير الخارجية ليس «باش كاتب» لدى مجلس الوزراء أو أي طرف، بل هو صاحب موقع مقرّر، ومحاولة تقليص دوره تندرج في سياق إضعاف المواقع المسيحية في الدولة على حساب صلاحياته في ادارة السياسة الخارجية وتنفيذها وفق مقتضيات المصلحة العليا، ومندرجات الدستور والبيانات الوزارية. ومن يستكثر عليه إبداء رأيه، مطلوب منه ان يتمهل قليلاً.
– إنّ باسيل ينسجم في مطالبته بعودة سوريا الى الجامعة العربية مع واقع سياسي، يعترف به كل من الحريري و«القوات» و«الاشتراكي»، وهو انّ هناك علاقات ديبلوماسية قائمة بين بيروت ودمشق، وتبادلاً للسفيرين بين العاصمتين، مع ما يعنيه ذلك من اعتراف لبناني بالدولة السورية برئاسة الاسد.
وإذا كانت توجد جهات داخلية تعارض انفتاح باسيل على سوريا ودعوته العرب لضمّها الى الجامعة مجدداً، فإنّ الأجدر بها ان تطالب بداية بقطع العلاقات الديبلوماسية اللبنانية مع سوريا، وبسحب السفير السوري من بيروت والسفير اللبناني من دمشق، وبإلغاء الاتفاقات الثنائية الموقّعة منذ ايام الرئيس الياس الهراوي، قبل ان تأخذ على باسيل ما يطرحه.
– إنّ دولاً عربية عدة، كانت قد ذهبت بعيداً في رهاناتها على إسقاط النظام، باشرت في ترميم علاقاتها بدمشق، سواء عبر زيارات رئاسية او معاودة فتح السفارات، او عبر التواصل السياسي والأمني خلف الستائر. فلماذا يُراد للبنان الجار أن يصل متأخّراً الى حيث سبقه الآخرون البعيدون؟ علماً انّ مصالحه الحيوية على المستويات كافة تستوجب منه أن يكون سبّاقاً في التقارب لأنه المستفيد الاساسي منه.
– إنّ الدولة اللبنانية لم توافق أصلاً على قرار الجامعة العربية بطرد سوريا من صفوفها ولم تصوّت الى جانبه، وموقف وزير الخارجية الداعي الى التراجع عن هذا القرار يأتي في السياق نفسه، لا خارجه.