Site icon IMLebanon

مُحاسبة الحكومة إذا لم تُطبّق البيان الوزاري

كتب آلان حكيم في صحيفة “الجمهورية”:

مع صعود الدخان الأبيض للتشكيلة الحكومية، بدأت مرحلةُ نصّ البيان الوزاري قبل طلب الثقة من مجلس النواب. وإذا كانت العادة أنّ الأمور السياسية تحتلّ أولويات البيان الوزاري، إلّا أننا نرى أنّ من الضروري جداً إعطاء الأولوية للشؤون الإقتصادية في هذا البيان على أن تلتزم الحكومة به بحذافيره مُتخطّيةً بذلك التجاذبات السياسية التي قد تنشأ لاحقاً.

تُعتبر الرقابة البرلمانية إحدى أركان الأنظمة الديمقراطية في العالم. هذه الرقابة تجعل الحكومة موضوع مساءلة عن أفعالها في ما يخصّ الإلتزام بتطبيق القوانين، وتطبيق بيانها الوزاري حيث إنّ هذا الأخير هو عبارة عن خطّة طريق تضعها الحكومة مُجتمعة وتنال على أساسها الثقة من مجلس النواب.

على هذا الصعيد، تُعتبر الرقابة الشديدة للبرلمان على الحكومة مؤشراً للحوكمة الرشيدة في القطاع العام من خلال رقابة تطبيق القوانين وخصوصاً قانون الموازنة بالإضافة إلى الإلتزام بالبيان الوزاري الذي نالت على أساسه الثقة.

إذاً نرى ممّا تقدّم أنّ البيان الوزاري هو بمثابة قانون يتوجّب على الحكومة الإلتزام به بحيث تُصبح موضوع مساءلة أمام المجلس النيابي في حال تخلّفها عن تطبيقه لأنّ في ذلك مصداقية السلطة التنفيذية بأكملها، ولأنّ عدم الإلتزام به يُعتبر خيانة للمواطن اللبناني الذي وضع ثقته بالبرلمان لكي يقوم بالرقابة على هذه الحكومة.

للأسف منذ العام 2005، أصبحت البيانات الوزارية عبارة عن خطاب سياسي يُطلقه رئيس الحكومة في المجلس النيابي لأخذ الثقة من دون أيِّ إلتزام به. هذا الخطاب يتضمّن مواقف سياسية للمشكلات الراهنة والأمثلة كثيرة وعلى رأسها النأي بالنفس.

البيان الوزاري الذي نرى أنّ من الضروري إعتماده (بشقّه الإقتصادي) هو عبارة عن خطّة إقتصادية واضحة تُمثّل الخطوات التي ستقوم بها الحكومة في المرحلة المقبلة (والتي من المفروض أن تمتد أربع سنوات) للنهوض بالإقتصاد اللبناني والإرتقاء به إلى ما هو خير المواطن:

أولاً – في الإسم: نرى أنّ إسم هذه الحكومة يجب أن يكون «حكومة النهوض الإقتصادي» ونأمل أن تكون فعلاً حكومة نهوض إقتصادي وليست على مثال حكومة إستعادة الثقة التي وبخلافاتها السياسية أزالت الثقة المُتبقية للناس بالدّولة.

ثانياً – في الإقتصاد: على الحكومة الإلتزام بتطبيق الشقّ الإستثماري المُتعلّق بمؤتمر سيدر-1 بحسب الأولويات وكيفية التنفيذ والتطبيق وبالتحديد المشاريع المُتعلّقة بالبنى التحتية التي غابت عنها الإستثمارات منذ أكثر من عقدين.

هذه الإستثمارات ستُعيد القليل من الثقة إلى القطاع الخاص الذي سيتشجّع للإستثمار في مجالات تُعتبر خدماتية بالدرجة الأولى وتدور في فلك مشاريع سيدر 1. وبالتالي هذا الأمر سيخلق نوعاً من التفاعل الإيجابي مع باقي القطاعات التي ستشهدّ إقبالاً على الإستثمارات إن داخلياً أو خارجياً.

أيضاً على الحكومة التعهّد بدعم القطاعات الإنتاجية وعلى رأسها قطاعا الصناعة والتكنولوجيا لأن لا إقتصاد مُتطوّراً من دون هذين القطاعين.

على هذا الصعيد، لا يتوجّب تحفيز الموجود فقط، بل يتوجّب توجيه القطاع الخاص نحو إختصاصات واعدة من خلال القوانين الإدارية والضريبية وذلك بهدف إستيعاب اليد العاملة اللبنانية التي هي في معظمها عالية المهارات.

هذا الأمر يهدف بالدرجة الأولى إلى تخفيف العجز في الميزان التجاري الذي يُعتبر أخطرَ مؤشّر لتردّي هيكلية الإقتصاد اللبناني وبالتالي يضغط على المالية العامّة وعلى النقد.

ثالثاً – في الشق الإجتماعي: إنّ مستويات الفقر التي تضرب المُجتمع اللبناني وخصوصاً على الأطراف أصبحت غير مقبولة على مثال عكار التي وبحسب أرقام البنك الدولي مستوى الفقر فيه يفوق الـ 36%. هل من المقبول في بلد مثل لبنان أن يكون هناك أناس ما زالوا يعيشون تحت خطّ الفقر؟

معالجة هذا الأمر تبدأ من خلال إيجادِ عملٍ لعشرات الألوف من الشباب العاطلين عن العمل والذين تفوق نسبتهم الـ50% من إجمالي الشباب. هذا الأمر لا يُمكن أن يتمّ إلّا من خلال قانون يحمي اليد العاملة اللبنانية ويُلزم المكتب الوطني للإستخدام بلعب دور محوري في التوظيف في الشركات.

ولا يُمكن تناسي دعم العائلات التي تعيش في فقر مُدقع إذ ليس من المقبول لا أخلاقياً ولا إجتماعياً أن نرى أنّ هناك عائلات بأكملها تعيش بمدخول أقلّ من 324 د.أ شهرياً. إنّ دعم الدولة بالحاجات الأساسية من ماء وطعام وتعليم ومسكن هي من الأسس لدولة عادلة.

وهنا يتوجّب القول إنّ كلّ دولة لا يكون فيها توزيع الثروات عادلاً (كلٌ بحسب مساهمته باللعبة الإقتصادية) هي دولة ذاهبة إلى الهلاك. وما التراجع الإقتصادي الحالي إلّا نتاج غياب العدالة الإجتماعية والتوزيع العادل للثروات.

رابعاً – في المالية العامّة: لا يُعقل أن تبقى ماليّتُنا العامّة بهذا المُستوى من العجز الذي يؤسّس لكارثة لن تتأخر بالقدوم مع تفاقم الدين العام. هذا الأمر يجب أن يتمّ تصحيحُه من خلال ضبط الإنفاق والتوقّف عن التوظيف في القطاع العام وإستبداله بتأمين بيئة سليمة للقطاع الخاص لخلق الوظائف.

كما أنّ هناك إلزامية لخطّة للجم لخدمة الدين العام وإصلاح القطاع الكهربائي ووقف الهدر في الإنفاق التشغيلي والجاري. وهنا يتوجّب على الحكومة الإلتزام بإصلاحات مالية وإدارية قبل الدخول بمغامرة رفع الضرائب لأنّ العكس يعني الضربة القاضية على الكيان اللبناني.

أيضاً يتوجّب على الحكومة مُعالجة ملف التداعديات على الأملاك البحرية والنهرية بشكلٍ جدّي يضمن حق الدولة وليس حقّ الذين يضعون يدهم على أملاك الدولة عن غير وجه حق.

خامساً – في الشق الإداري: إنّ الأوضاع التي آلت إليها الإدارة العامّة أصبحت غير مقبولة بكل المعايير إن من ناحية العدد أو من ناحية الأداء.

على هذا الصعيد، تأتي محاربة الفساد كأوّل وأهمّ خطوة لضبط الإدارة العامّة تليها خطوة وقف التوظيف العشوائي وتعظيم أداء الموظفين بإنشاء الحكومة الإلكترونية وإعتماد اللامركزية وتسهيل الخدمات وغيرها.

سادساً – في الشق البيئي: إنّ ملف النفايات، التلوّث البيئي جراء غياب الصرف الصحّي ونفايات المصانع، المقالع والكسّارات… هو أمر غير مقبول مع كل ما يرافق هذه الملفات من صفقات مشبوهة بكل ما للكلمة من معنى. إنّ معالجة هذه الملفات هو بُعد من أبعاد الأمن القومي ولا يُمكن الإستمرار بالوضع كما هو عليه.

إننا إذ نرى في تشكيل الحكومة عنصراً إيجابياً على الإقتصاد، نرى أنّ هذه الإيجابية يجب مواكبتها بتوافق بين مكوّنات الحكومة على وضع الشق الإقتصادي في الأولويات قبل السياسة وقبل أيّ ملف أخر. وبالتالي يجب على الحكومة العتيدة إعتماد النقاط الآنفة الذكر في بيانها الوزاري رأفة بالعباد وبلبنان لأنّ التاريخ لا يرحم.