استجوبت المحكمة العسكرية الدائمة برئاسة العميد الركن حسين عبد الله، على مدى ساعتين ونصف ساعة، المقدم في قوى الأمن الداخلي سوزان الحاج، المتهمة بـ”قبول العرض المقدم من المقرصن ايلي غبش، لاختلاق جرم التعامل مع إسرائيل للممثل المسرحي زياد عيتاني”. لكن هذا الوقت لم يكن كافيا إلا لجزء من إفادة الحاج، التي ردت فيها على كل اعترافات غبش، وفندتها بالوقائع والتسلسل الزمني، منذ أن تعرفت عليه يوم كانت رئيسة لمكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، وبدأت الاستعانة بخبرته في تحديد هوية الأشخاص على الانترنت، ومهاجمي المواقع الالكترونية اللبنانية، ومتابعة الأدلة الرقمية للفاعلين، حيث أوضحت أنه لم يشب تلك الفترة أي خطأ طيلة فترة عمل غبش معها في المكتب التي دامت حوالي سبعة أشهر.
وأوضحت الحاج أن كل ما سرده غبش من اعترافات أراد من خلالها الإيقاع بها هي مجرد أكاذيب ومحض افتراء، وأكدت أنها لم تطلب منه يوما قرصنة أي موقع الكتروني إخباري أو موقع رسمي. وتحدثت بإسهاب عن سبب إقالتها من منصبها في مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية، بسبب إشارة (like) التي وضعت بالخطأ على تغريدة لممثل كوميدي (شربل خليل) والتي أزيلت بلحظتها. وقالت: “على عكس كل ما قيل، عبرت يومها عن اعجابي وتقديري بالقرار الذي اتخذته قيادة المملكة العربية السعودية الذي يسمح للمرأة بقيادة السيارة، لكن بعد قرار نقلي من منصبي اتصلت بالعقيد جهاد بو مراد، وأبلغته برغبتي بالاستقالة من قوى الأمن الداخلي، لأني فصلت من مركزي قبل التحقيق معي، وفكرت جديا بالانتقال للعمل في القطاع الخاص، وإنشاء فريق عمل لشركة خاصة بي تعنى بأمن المعلومات والمواقع الالكترونية”.
وأشارت الى أنها تواصلت مع غبش لمعرفة مدى إمكان أن ينتقل للعمل معها بشركتها الخاصة التي تنوي تأسيسها، كما اتصلت بعدد من المهندسين لهذه الغاية، وعندما طلب زيارتها والتقته في منزلها وفاتحته بموضوع الشركة، ولدى مغادرته المنزل قال لها: “نحن كمقرصنين أوقفنا عملنا في القرصنة في لبنان لأننا وطنيون ونرفض ما تعرضت له، وهذا يدل على الفساد المستشري في البلد، وسنرسل رسالة احتجاج على اقالتك، فأبلغته أني غير مهتمة بالأمر، ولا أحد يترك مركزا ويعود اليه”.
وردا على سؤال عن الصور التي أرسلها اليها غبش وتعود لمواقع رسمية سيقرصنها، أجابت الحاج: “أنا أعرف ما يدور في عقل المقرصنين، وليس كل ما يقولونه يعني أنه سيحصل، والمواقع التي جرى قرصنتها هي أضعف المواقع الالكترونية”. أما بما خص التسجيل الصوتي الذي يتحدث فيه غبش عن نيته الاتصال ببعض التلفزة وابلاغهم أنه صاحب شركة تتعرض للقرصنة، وأنه يحاول إبلاغ مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية ولا أحد يرد عليه، ردت قائلة: “لم أطلب منه ارسال أي شيء للاعلام، ودعوته الى أن يهدأ ويوقف أعمال القرصنة”. وكشفت أنها كانت قدمت تقارير الى بعض الإدارات، منها وزارة العدل والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي وأبلغتهم عن نقاط الضعف في مواقعها الالكترونية.
ولدى سؤالها من قبل رئيس المحكمة عن طريقة التواصل بينها وبين غبش، بما يوحي أنها موافقة على ما يقوم به، أشارت الى أنها أحيانا كانت تستمع الى ما يقوله غبش، الذي بدأ يتحدث عن أشياء لم يتحدث عنها من قبل، لكن الأمور كانت تحت السيطرة، ونصحته بأن يوقف أعمال القرصنة.
وعما إذا كان غبش فاتحها بملف زياد عيتاني عندما زارها في منزلها، قالت: “قد يكون سألني عن الموضوع لكني لم أجبه، الا أنه زارني من أجل أن يطلعني على أي خدمة سيقدمها خلال عمله معي بشركتي، وعندما كنت أودعه عند باب المنزل سألني: هل يعقل أن يستهدفوك؟ (قاصدا بذلك ما نشره الصحافي زياد عيتاني على موقع “أيوب نيوز” وأيضا الصحافي رضوان مرتضى)، فأجبته: قد يكون الأمر قضاء وقدرا، وقد يكون هناك من يتربص بي. فقال لي يمكنني أن أتحرى عنهما من خلال عملي، وعندها أجريت بحثا على موقع “غوغل” وأرسلت له صورتي زياد عيتاني ورضوان مرتضى، وقلت له “شوف إذا عليهن شي””.
وفي معرض ردها على أسئلة تتعلق بمحور الرسائل التي وردتها عبر تطبيق “واتساب” من غبش، والتي تتناول قرصنة مواقع رسمية وجمع معلومات عن زياد عيتاني ورضوان مرتضى، أكدت الحاج أن أغلب هذه الرسائل لم تفتحها ولم تجب عليها. وأبرزت بعض الوثائق التي كانت معها ومع وكلائها، وناقشتها بالتفصيل، وجزمت بأن غبش كان على تواصل مع جهاز أمن الدولة، وانتهى من تركيب ملف زياد عيتاني قبل أن يفاتحها بالموضوع، مشيرة الى أنه أطلعها على الأمر لاحقا عله يستفيد منها ماديا بعدما اتفق مع جهاز أمن الدولة على أن يقبض منه مبلغ أربعة آلاف دولار مقابل هذا الملف، وبعدها جرى تخفيض المبلغ لأسباب معروفة.
ولفتت الحاج الى أن غبش هو من أخبرها بأن أمن الدولة أطلعوه على ما يسمى شبهات متوفرة عن زياد عيتاني، وكلفوه بمتابعتها، وقالت: “أما أنا فلم اسأل يوما عن زياد عيتاني، وربما حاول هو اطلاعي على ذلك لتبييض الوجه، وربما للاستفادة المادية، وحاول القول لي إن الشخص الذي تسبب لي بالأذية يوجد بحقه ملف أمني، لكن أنا لم أهتم بالأمر بدليل أني لم أحاول معرفة من هو زياد عيتاني الذي ألحق الأذى بي، هل هو القريب من الوزير أشرف ريفي أو الممثل؟”. وسألت: “لو فرضنا كنت أقصد الإيقاع بمن تسبب بأذيتي، وهو زياد عيتاني ناشر موقع “أيوب نيوز” والمقرب من ريفي، فلماذا أذهب لتركيب ملف يطال زياد عيتاني الممثل”؟
وهنا أوضح رئيس المحكمة العسكرية العميد حسين عبدالله أنه سيتوقف عند إفادة الحاج في الشق الذي سبق توقيف زياد عيتاني على أن يتابع استجوابها في الجلسة المقبلة عن المرحلة التي تلت توقيف عيتاني، وأعلن أنه سيعطي القضية كل الوقت اللازم للوصول الى الحقيقة، وتبيان ما حصل لأنها قضية تهم الرأي العام ويتابعها الإعلام بدقة، ولأن هناك ظلما لحق بشخص جراءها (زياد عيتاني)، ولو لم يتم كشف الفبركة لكان الرجل يحاكم الآن بجناية خطيرة هي التعامل مع إسرائيل. قال رئيس المحكمة لوكلاء الدفاع عن الحاج بأنه سيعطيهم الوقت الكافي لطرح ما يريدون من أسئلة ومناقشة الأدلة، وكذلك وكيل غبش، وسماع الشهود والاطلاع على “داتا” الاتصالات بين غبش وأمن الدولة، وبعض التسجيلات.
وهنا قرر عبدالله إرجاء الجلسة الى يوم الخميس في 21 الشهر الحالي، لاستكمال الاستجواب وإتاحة الفرصة لوكلاء الدفاع عن الحاج بطرح الأسئلة عليها وعلى غبش، كما قرر عبدالله استدعاء الممثل زياد عيتاني وعنصرين من جهاز أمن الدولة وزوجة غبش للاستماع الى إفاداتهم كشهود، كما طلب “داتا” الاتصالات للمحادثات التي جرت بين غبش وعنصري أمن الدولة ايلي برقاشي وميشال ميسي، وسؤال جهاز أمن الدولة عما إذا كانت لديه بالفعل شبهات حول زياد عيتاني بقضية أمنية.
وكانت المحكمة العسكرية أنهت استجواب المقرصن ايلي غبش، الذي كرر اعترافاته التي أدلى بها في الجلسة السابقة لجهة انه اصطنع حسابا اسرائيليا وهميا باسم فتاة إسرائيلية تدعى نيلي، وأرسل عبره رسائل عدة إلى الممثل زياد عيتاني الذي لم يفتح أيا من تلك الرسائل ولم يقرأها أو يجب عليها، وكان الهدف فقط جلبه إلى التحقيق و”فرك أذنيه” وتركه بحال سبيله، ولم يكن الهدف توريطه بجرم التعامل مع اسرائيل كما حصل.
وأكد غبش انه تقاضى من جهاز أمن الدولة مبلغ 1600 دولار لقاء المعلومات التي قدمها عن زياد عيتاني، وكان موعودا بقبص مبلغ 5000 دولار اذا قدم ملفا مماثلا عن الصحافي رضوان مرتضى بتهمة التعامل مع اسرائيل لكنه عدل عن ذلك بعد أن أدى فعله إلى توريط عيتاني بأكثر مما كان يتوخى. وإذ اعترف بأن ذلك كان بالتنسيق مع المقدم سوزان الحاج التي طلبت منه البحث عن دليل عن علاقة عيتاني بالإسرائيليين، نفى أن تكون الحاج أعطته أي مبلغ مالي لقاء ذلك.