كتب جوزف الهاشم في صحيفة “الجمهورية”:
في بلدة «العطشانة»، وفي افتتاح المقـرّ البطريركي الجديد للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في لبنان، قال الرئيس ميشال عون: «سأسعى الى ولادة حكومة تعكس رغبات الشعب اللبناني وتوصل «صورةً مشعّةً» الى العالم عن عزمنا على الإصلاح ومواجهة الفساد…».
وقبل أن تُطـلَّ الحكومة برأسها بعد شـقِّ النفس وشـقِّ البَطْـن، عرفنا بواسطة الكشف الطبي صورةَ المولود «المشعَّة» وهو في الأحشاء جنين.
الحكومة التي توصل صورةً مشعّة الى العالم خُيِّل إلينا معها، أنها ستؤلَّف من جبران خليل جبران الذي «شـعَّ» فكرُه في الأرجاء الكونية، ولا يزال كتاب «النبي» يشـعّ وحياً أدبياً على الأجيال الصاعدة، وخُيِّلَ إلينا أيضاً أنها ستضمّ النابغة حسن كامل الصباح الذي سجّل عدّة اختراعات عالمية «مشعّة» في التلفزة والكهرباء، فضلاً عن شارل مالك أحد أبرز واضعي شرعة حقوق الإنسان التي «تشـعُّ» بها أسس العدالة والسلام الدوليين، أو العلامة عبدالله العلايلي، الذي «يشـع» إصلاحاً أدبياً وفقهياً، والأديب والسياسي الكبير شكيب إرسلان.. وغيرهم من اللبنانيين الذين هجَّرناهم الى بلاد الإغتراب فنبغوا فيها مجلِّـين، ولا نـزال بالذين عندنا متخلِّفين.
نحن نعرف الوجوهَ المرشَّحة للحكم، والوجوهَ التي أفرزتها الإنتخابات النيابية بقانونها الضارب تشويهاً في المستقبل الوطني، فلم نتوقع أن يكون اختيار هذه الحكومة مثالياً الى حدّ اللاّهوتية، وليس مطلوباً أن تكون من جماعة الفلاسفة ولا من أكاديمية أفلاطون أو من فئة المخترعين.
ولكنَّ الحكومة التي تُطـلُّ على الناس بأسماء تمثِّـل مَـنْ فوقَها، ومَـنْ فوقَها يمثِّـلون مَـنْ فوقهم، هي حكومة أشبهُ بحَمَلةِ المباخر، تحكم بواسطة الهواتف الخلوية التي تؤمِّن الإتصال بين الحكام الفعليِّين والوزراء المحكومين، وهذا يعني أنَّ الوزير يحكم بشخصيةٍ مزدوجة، ويشعر كأنّ فيه شخصين إثنـين:
شخصاً يأْمـر وشخصاً ينفّـذ، على ما جاء في قول الشاعر:
وكَـمْ عندَ الحكومةِ مِنْ رجالٍ تراهُمْ سادةً وهُـمُ العبيدُ
أمّـا بعد، فهل ستنتقل هذه الحكومة حقاً– كما أُعلن عن إسمها- من: حكومة «قوْلِنا»… الى قولنا والعمل.؟ وهل يكون بيانها المعجل المكرّر ذلك البيان الذي قال فيه الله تعالى: «هذا بيانٌ للناس»… وهل سيكون أداء هذه الحكومة على غرار ما كان في الحكومة السابقة، فإذا المؤسسات الدستورية أسلحةٌ تُستخدم في المعارك السياسية وفقاً لمقتضيات الغزو المذهبي والفئوي والتكسبي، وهل تستحيل قاعة مجلس الوزراء ساحةً للمعارك تحتاج الى أكياس من الرمل للفصل بين المتقاتلين.؟
عفوَكُمْ، هذه خواطر عابرة على طريقة التنفيخ في اللبن، وليس من العدل أن يصدر حكم مسبق على الحكم.. مع أننا لا نتوقع أن تُرسِلَ هذه الحكومة «صورة مشعة» الى العالم بقدر ما يكون أقصى طموحنا معها أن «تشعّ» علينا ببعض ساعات إضافية من الكهرباء، وأن تسفِّه السفير «بيار دوكان» الذي عيَّنَـهُ الرئيس الفرنسي لمتابعة تنفيذ برنامج مؤتمر «سيدر» حين قال: «إن لبنان دولة غير قابلة للإصلاح».