بعد تسعة أشهر من المفاوضات الصعبة ولدت آلية “انستكس”، اختصار لمصطلح “آلية دعم التبادل التجاري”، للتبادل التجاري بين أوروبا وإيران، التي تهدف الى الحفاظ على العلاقات الاقتصادية بين القارة العجوز وطهران وتحييدها عن العقوبات الاميركية. بيد أن الصيغة التي خرجت بها، كانت أقل من المتوقع، حتى أن وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف اعتبر أنها “لا تزال في طور الاختبار”، مشككا بـ”الشراكة مع الاوروبيين وبمدى جديتهم في التعامل مع إيران بمعزل عن العقوبات”، مؤكدا أن “الآلية تستحوذ على أهمية بالنسبة للأوروبيين، أكثر من أهميتها بالنسبة لإيران”.
في المضمون، تحمل “انستكس” العديد من نقاط الضعف، فهي تضم 3 دول أوروبية فقط هي فرنسا، المانيا وبريطانيا، كما أنها لا تضمن شراء النفط الايراني، بل المواد الغذائية والادوية غير المشمولة أصلا في العقوبات. هذه المعطيات دفعت ظريف الى القول “لن ننتظر الاتحاد الأوروبي لمواصلة تجارتنا مع العالم”، مشيرا الى “بدائل من خلال التعاون مع دول كتركيا وروسيا والصين والعراق”، علما أن القاسم المشترك الابرز بين هذه الدول هو خضوعها جميعا للعقوبات الاميركية وإن بنسب متفاوتة، الامر الذي يطرح تساؤلات عن قدرات هذه الدول على الالتفاف على العقوبات الأميركية.
الخبير الاقتصادي جاسم عجاقة أوضح عبر “المركزية” أن “الدول الاوروبية لديها مصلحة بالتعاون الاقتصادي مع إيران لما تشكله من سوق استثماري ضخم، والآلية وجدت لاستغلال الثغرات القانونية الموجودة في قانون العقوبات الاميركي، ولكن هذا الامر لن يعود متاحا بمجرد أن يعدل القانون في مجلس الشيوخ ويمنع أي استثناءات”.
ولفت الى أن “هذه الثغرة التي أتاحت للاوروبيين الالتفاف على القانون، وهي عبارة عن مناورة أميركية، فالرئيس دونالد ترامب يلجأ الى سلاح العقوبات والضغوط الاقتصادية لهدف محدد هو جلب الخصم الى طاولة التفاوض، وقانون العقوبات أعطى استثناءات، فالهدف ليس خنق إيران بالكامل بل التفاوض معها، والزامها على بتغيير سلوكها”، مضيفا أن “تخطي العقوبات الاميركية أمر في غاية الصعوبة، فالشركات عندما تريد أن تستثمر تلجأ الى البنوك للحصول على الاموال، والبنوك تلجأ الى الاسواق، للاستدانة، من هنا الاسواق تشكل عصب الاقتصاد، والسوق العالمي الاهم القادر على تمويل المشاريع العالمية هو السوق الاميركي المسيطر على عالم المال، وبالتالي أي محاولات لتجاوز السوق الاميركي ستواجه صعوبات كبيرة، وخيار الفشل يتقدم على النجاح”.
وعن قدرة الشراكة الايرانية مع كل من الصين وروسيا على انقاذ اقتصاد طهران، قال “لتتحقق هكذا شراكة، على الدول المعنية الاستغناء عن الدولار بالكامل في تبادلاتها التجارية، لكن السؤال الابرز”هل تستطيع دول كروسيا والصين الاستغناء عن الدولار؟”، موضحا أن “تحييد هذه الدول نفسها عن التعامل بالدولار، سيعزلها عن الاسواق العالمية، فهي قد تنجح في التبادل التجاري في ما بينها (على رغم ضآلته) بعملاتها الوطنية، لكنها بهذه الطريقة تصبح “معزولة” عن الأسواق العالمية الامر الذي لا يخدم ثاني أقوى اقتصاد في العالم، الصين، كذلك روسيا التي تصدر أكثر من 40% من غازها الى أوروبا”، مشيرا الى أن “التنويع في الاقتصاد أمر أساسي خصوصا لدى الاقتصادات الكبرى التي تطمح الى تعزيز موقعها في الاسواق العالمية”.