كتب انطوان الأسمر في صحيفة “اللواء”:
تمثّل الفورة (هي إنتفاضة مكتومة) التي أعقبت إعلان الحكومة، وما لبثت أن خَمدت أو أُخمدت بتدخّل خارجي على ما ظهر، العطب الذي أصاب النظام اللبناني منذ منتصف ثمانينات القرن العشرين، حين إقتسمت الميليشيات الدولة وتحالفت في ما بينها بغية مراكمة مكتسبات طائفية ومذهبية وسياسية – سلطوية، انتهت بتكريسها بشكل أو بآخر في إتفاق الطائف، لتستحيل جزءا رئيسا في مشهديات الجمهورية الثانية، جمهورية الأنقاض وتشظي المفهوم الدولتي وتحلله لمصلحة هذه الميليشيات.
هذه الفورة التي جرى إستيعابها تدريجا لرغبة رئاسية في عدم التشويش على إنطلاقة الحكومة وعلى ما هو متوقّع منها في السنوات الأربع المقبلة، تمثّل كذلك، في مكان ما، عصارة تحالف الدولة العميقة وتآلفها ضد كل ما هو دخيل عليها، يتهدد مكتسباتها ويخرجها من طورها ويعيدها الى حجمها غير المنفوخ، سياسيا وتمثيليا. لذا لن يكون غريبا أو مفاجئا متى عاودت الدولة العميقة الفورة إياها في كل مفصل تعتقد أن مكاسبها ليست محفوظة وحصصها غير مصانة.
تدرك الرئاسة هذه الحقيقة، تماما كما يدركها التيار الوطني الحر، الى جانب يقينهما بالحساسية المفرطة التي يتعامل بها، على سبيل المثال، الحزب التقدمي الاشتراكي مع كل ما يتعلق بالجبل، وهو ما يسميه خصوصية، ويَفترض أن على كل الأطراف تفهمها واحترامها وحتى التصرّف في هديها، الأمر غير القائم في حالنا الراهنة نتيجة الإختلاف في فهم الشراكة وعدم إستيعاب إنتهاء المفهوم السلطوي للحكم بقرار رئاسي وبمفاعيل آنية – لحظوية.
ولا يكون مستغربا، والحال هذه، أن يشكل (على ثانويتهما) تسمية غسان عطاالله وزيرا للمهجرين وتكليفه إقفال الوزارة – المزراب في غضون 3 سنوات مع موازنة تجاور الـ500 مليون دولار، وتسمية صالح الغريب في لجنة صوغ البيان الوزاري، الشرارة التي أطلقت الإنتفاضة المكبوتة على كل من ميشال عون وسعد الحريري، خصوصا أن وليد جنبلاط وجد نفسه خارج ما طُبخ في لقاء باريس (سمّاه باريس2)، وفوجئ بالتفاهمات التي أفضت الى الولادة الحكومية والى تسهيل آليات عملها ونتاجها المأمول، وهو الذي كان يعتبر أنه سلّف العهد بتنازله المفترض عن الوزير الدرزي الثالث.
وليس خافيا أن السبب الرئيس في الاصطدام بين الحزبين، منذ العام 2005، خروج التيار عن أي تقليد أو نمطية حزبية على شاكلة ربح مؤطّر، ورفضه التسليم بما حققته الدولة العميقة من مكتسبات من خارج الحق أو المنطق، نتيجة جمهورية ثانية قامت على تغليب قوى شرّعت لنفسها وراثة من خسر واقتسام الثروة، وصفَتْ لنفسها النصر على كل من اعتُبر خارجا بخفيّ حنين من كل مخاض الجمهورية الأولى، مذبوحا على أنقاض المارونية السياسية التي، يا للغرابة، ثبُت العقدان الفائتان أنها الأفضل أداء ومعرفة وإدراكا، مقارنة بما خلفها من عقليات سلطوية، انتقامية في جلّها، أفضت الى كارثة على مستوى الشراكة والى إحتكار غير مسبوق للسلطة وتهميش مكونات وازنة لمصلحة استنهاض من سمّيوا مستقلين، وهم في حقيقتهم أكثر التابعين!
ما يهم في كل هذا الوصف السردي إدراك الحكم كل تفصيل منه، ما يجعله قادرا على التعامل مع مفاعيله واستيعاب حالات غضب متوقعة ومرصودة مسبقا، وفي خلده أن الأهم تسيير الدولة بآليات مستقيمة، مختلفة عن تلك البائسة التي اعتُمدت في الجمهورية الثانية، وتثبيت عدالة التمثيل النسبي في قانون الانتخاب الجديد واحترام الأوزان والأحجام وتحطيم نظريات الوسطية التي استُنبطت واختُرعت كي تقتات حصرا من معجن الشريك المسيحي القوي.