طويلا، انتظر الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إفراج المعطلين عن الحكومة الجديدة ليزور لبنان الذي لطالما وعد به ضيفا على أراضيه، لولا بعض الموانع الدستورية والسياسية.
وإذا كانت علاقات لبنان التاريخية مع فرنسا تدفع البعض إلى اعتبار الزيارة الرئاسية الباريسية أمرا مألوفا في المشهد المحلي، فإن الزيارة التي ينوي الرئيس الفرنسي القيام بها إلى بيروت تكتسب أهمية بالغة، في الشكل كما في المضمون. ذلك أنها تأتي غداة المؤتمرات الدولية التي مارس ماكرون شخصيا كثيرا من الدفع في اتجاه عقدها لدعم لبنان، بينها مؤتمر “سيدر” الذي استضافته باريس، واغتنمت في خلاله الدول الكبرى الفرصة لمد لبنان الرازح تحت وطأة كثير من التحديات الاقتصادية والأمنية. وتحل زيارة ماكرون أيضا إلى لبنان غداة تأليف حكومة يشكو بعض المراقبين من كونها غير متوازنة سياسيا، لمصلحة “حزب الله”، في وقت لا تنفك الأصوات السيادية تعلو للمطالبة بالتزام سياسة النأي بالنفس طبقا لما نص عليه “إعلان بعبدا”.
على أي حال، فإن موعد زيارة ماكرون بيروت لم يحدد بعد، على ما تكشف أوساط ديبلوماسية غربية لـ “المركزية”، مذكّرةً بأن أجندة الرئيس الفرنسي حافلة، وهو الغارق في احتجاجات “السترات الصفر” على سياساته الاقتصادية، كما بمتابعة مفاوضات الاتفاق على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. إلا أن الأوساط نفسها لا تخفي أن معلومات ترددت عن احتمال أن يعرّج ماكرون على بيروت في الربيع المقبل، أو على هامش زيارته المتوقعة قريبا إلى العراق.
وفي هذا الإطار، تذكر المصادر أن الزيارتين إلى العراق ولبنان لا يمكن أن تدرجا إلا في سياق الاهتمام الأوروبي المعهود بقضايا الشرق الأوسط، لاسيما فرنسا التي تراقب عن كثب التحولات التي يسجلها المشهد السياسي العراقي، وتنتظر اكتمال عقد الحكومة العراقية الجديدة ونيلها الثقة، تمهيدا للمضي في مشروع بناء دولة القانون، وفي القضاء على تنظيم “داعش” بمؤازرة التحالف الدولي الذي تشارك فيه فرنسا.
وكما في العراق، كذلك في لبنان، يتوقع أن يحط ماكرون رحاله في بيروت في أوائل الربيع المقبل، أي بعد أن تكون الحكومة الحريرية الثالثة قد نالت الثقة، وأعطيت الوقت الكافي للانطلاق في مسار الإصلاحات الذي تعهدت التزامه في بيانها الوزاري، تبعا للاتفاقات المعقودة في مؤتمر “سيدر”، علما أن الفرنسيين يراقبون هذا المسار أيضا بكثير من الدقة والترقب.
وفي هذا السياق، تدرج الأوساط اللقاءات الكثيرة التي عقدها رئيس الحكومة سعد الحريري على هامش قمة دبي العالمية للحكومات، بدليل التصريح الذي أدلى به وزير الصناعة والمال الفرنسي برونو لومير، الذي قال إن بلاده تريد التأكد من أن لبنان سيستفيد بشكل جيد من هذه المساعدات (سيدر)، وأنه سيعتمد الإصلاحات التي التزم بها، إضافةً إلى اجتماعه مع رئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد التي بحث معها في سبل تفعيل العلاقات مع لبنان، والمشاريع المنتظر تنفيذها في مراحل لاحقة.
وفي الانتظار، تكشف الأوساط أن من المرجح أن يزور الموفد الفرنسي المكلّف متابعة تنفيذ مقررات “سيدر” بيار دوكان بيروت في 18 الجاري للمشاركة في الاجتماع المخصص للتنسيق بين المؤسسات المالية المانحة، مرجّحةً أن يشكّل هذا الاجتماع فرصة لحسم الجدل الذي أثاره التباين بين لبنان وفرنسا في مقاربة ملف اللاجئين السوريين، قبل زيارة ماكرون.