بعد 11 يوماً من الإضراب عن الطعام، أعلن اللبناني فادي إبراهيم رعد الاحد، دخوله مرحلة جديدة في مشواره الاحتجاجي ضد «السلطة اللبنانية الظالمة»، بالتوقف عن شرب أي شيء بما في ذلك الماء. ويجلس فادي رغم المطر والبرد في خيمة بلاستيكية صغيرة نصبها وسط ساحة النور، الواقعة على مدخل مدينة طرابلس، بعد أن خاط فمه بنفسه، تأكيداً على أنه توقف نهائياً عن تناول الطعام حتى تحقيق مطالبه. وكان الرجل قد طالب منذ البدء بإسقاط الجنسية اللبنانية عنه، لأنها لم تعد تسعفه في شيء لعلّ دولة تحترم الإنسان تمنّ عليه بجنسيتها.
ويضيف فادي لـ«الشرق الأوسط» التي قابلته الاحد في خيمته: «لن أفك الاعتصام حتى أحصل على تعهد علني من مسؤولي الدولة وأمام جهة دولية ضامنة، ببدء الإصلاحات والتغييرات في طرابلس بتاريخ محدد وواضح يحفظ حقوقنا، إذ لم يعد ينفع الكلام الذي لا تتبعه أي أفعال». وأضاف: «اليوم دخلت في اعتصامي مرحلة جديدة، وتوقفت عن شرب الماء، وكل أنواع السوائل، احتجاجاً على هذه السلطة الفاسدة».
الاعتصام الفردي لفادي لم يحظَ باهتمام، قبل حادثة إحراق المواطن جورج زريق نفسه في ملعب مدرسة أولاده قبل أيام، شمال لبنان أيضاً، ليس بعيداً عن طرابلس، بعد عجزه عن تسديد المبالغ المتوجبة عليه. لكن هذه الحادثة التي هزّت الرأي العام لفتت إلى اعتصام فادي، خوفاً أن يصل إلى نتائج غير محمودة. ويعلق فادي على الحادثة متأسفاً: «لجأ جورج إلى تصرف متهور وما كان له أن يتسرع. عانى من أزمة مالية، وكان ينبغي أن يأتي هنا ليعتصم معي، لنري هذه الطبقة السياسية الفاسدة، أننا مسلمون ومسيحيون متوحدون ضدهم».
زارت نائبة طرابلس ديما جمالي، فادي أول من أمس، بتكليف من رئيس الوزراء سعد الحريري، لكن الزيارة لم تأتِ بنتائج إيجابية. «لأنني لم أسمع كلاماً جدياً، كل ما عرضوه علي هو مظروف من المال رفضته للتو. أنا لا أحتجّ بانتظار رشوة. أكثر من ظرف وصل إليّ من سياسيين لأفك الاعتصام، لكنني لست رخيصاً إلى هذا الحد، ولن أقبل الرشى، ومصرّ على مطالبي». ويؤكد الشبان المتحلقون حول فادي، أنه يرفض أي مال يقدم له، وهم شهود على ذلك.
المرحلة الثالثة من التصعيد يقول فادي: «وقبل أن ألفظ أنفاسي الأخيرة، أتركها مفاجأة، ولن أبوح بمعلومات أكثر». ويصف ما يبادره به السياسيون، واهتمام الإعلاميين، بأنها مجرد «سيناريوهات هزلية»، وأنهم يسعون لاستغلال حالته دون أي جدية في التعاطي مع مطالبه. «أموالهم التي يرسلونها مع المحاسيب ترد لهم، وإن فكروا في قتلي للتخلص مني فليتفضلوا».
فادي رعد الذي تركته زوجته وانفصل عنه ولداه بسبب أوضاعه الصعبة، يعتبر نفسه «ضحية القهر والحرمان، وبالدرجة الأولى ضحية الظلم القضائي المسيس الذي لا يتعامل باحترام وعدالة إلا مع أزلام السياسيين». درس الكهرباء، وتعلم الإنجليزية بجد، وظن أنه سيصنع مستقبله بعرق جبينه. شارك في الحرب الأهلية اللبنانية حين كان شاباً صغيراً وسرعان ما ندم. ترك لبنان وحاول العثور على فرصة في هولندا، ومن ثم في ألمانيا عام 1985 التي بقي فيها لاجئاً سياسياً 4 سنوات. ثم عاد إلى لبنان، ومني بخيبات مرة أخرى. غادر من جديد إلى روسيا ولم يوفق، حاول العمل في ليبيا وتونس ومصر ولم يجد فرصة، «لأن أحداً لم يعد يقبلنا». عام 1997 كانت قد انتهت الحرب، وعاد للعمل في لبنان ويكسب ما يكفي لإعالة عائلته دون جدوى. يروي: «كانت آخر محاولاتي لترك لبنان عام 1998 وصلت إلى جزر الكاريبي في محاولة للذهاب إلى أميركا ولم أفلح. من حينها وأنا أحاول تدبر أمري». يصف البلد بأنه «مليء باللصوص وبالحقد الطائفي». يلقي بالمسؤولية على «عصابة حاكمة عودت الناس على الذل والخنوع، وجعلتهم يدمنون الكرتونة (التي توضع فيها المساعدات الغذائية)، والخمسين ألف ليرة (نحو 32 دولاراً) مقابل الصمت. وأنا لا أستطيع أن أصمت، آن الأوان أن أصرخ بأعلى صوتي: أعيدوا لنا كرامتنا المسلوبة، أعيدوا حقوقنا المنهوبة، نحن ننادي بالثورة».
لفادي ولدان أحدهما في الخامسة عشرة والآخر في السابعة عشرة، لا يراهما. صار يسكن وحده في غرفة صغيرة، وما يزاوله من عمل لا يكفي لشيء: «بوجود المحسوبيات والشبيحة، لن يجد الأوادم عملاً لائقاً بكرامتهم». يستغرب فادي اللامبالاة: «أنا أتحمل البرد والمطر والجوع ووجع الخيطان التي أقفلت بها فمي والشيء الوحيد الذي لا أزال أستطيعه هو الكلام، وإذا لم يهتز ضمير في المقابل، فمعناه أن لا أمل في هذا البلد. ولا أستغرب، فالإنسان حين يفقد كرامته، يفقد إحساسه أيضاً».