تمرّ العلاقات الايرانية الاوروبية بمرحلة دقيقة يشوبها بعض التوتر والبرودة بعدما راهنت طهران على دور اوروبي قوي بوجه الولايات المتحدة بعد الموقف الذي اتّخذه الرئيس الاميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي بحجة ان ايران لم تلتزم التنفيذ الدقيق للاتفاق وانه بالاساس ضد هذا الاتفاق بالشكل الذي وضع فيه، ملقيا باللائمة على ادارة سلفه باراك اوباما ومتّهما اياه بالتساهل كثيرا مع ايران ومسايرتها بما جعلها تتمادى في ممارساتها وتصرفاتها وتطالب بالاعتراف بـ”حقها” بنفوذها في الشرق والشراكة في القرار وعدم تهميشها.
وسارعت فرنسا بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الى اعلان تمسكها به وعدم اسقاطه، لا بل طالبت بضرورة العودة الى المفاوضات لدعم الاتفاق وتوسيع اطاره تحت عنوان “استكمال الاتفاق منذ الان وقبل انتهاء مدته في 2025” من دون شروط لكن مع ضم منظومة الصواريخ الباليستية اليه، اضافةً الى سياسة ايران في المنطقة ودورها من زاوية وقف تدخلها في شؤون الدول.
غير ان الجمهورية الاسلامية رفضت العرض الاوروبي المُقدّم عبر فرنسا والمرفق بجدول اعمال شراكة اوروبية ايرانية مشروطة لاستئناف المفاوضات بعدما اعدت ادارة ترامب مشروعا من 12 بندا اشترط على ايران تنفيذها قبل استئناف المفاوضات.
وذهب الجانب الاوروبي بعيدا في تمسّكه باستمرار “الشراكة الاقتصادية والتجارية” بينه وبين ايران، باتّخاذه خطوة للالتفاف على العقوبات الاميركية من خلال إنشائه (المانيا وفرنسا ومعهما بريطانيا) “آلية التبادل التجاري مع ايران” (انستكس) مقرها باريس اعتبرت بمثابة رسالة سياسية واضحة الى الولايات المتحدة، علما ان ترامب حذّر من مغبة تداعياتها. وتعتمد آلية “انستكس” المقترحة على تشجيع نظام المقايضة المعمول به للشركات في اوروبا.
وتوضح اوساط دبلوماسية لـ”المركزية” نقلا عن مسؤولين أوروبيين ان “هذه الخطوة تؤمّن الحماية للعلاقات التجارية وتوفّر الغطاء القانوني للدول الاوروبية وايران من ضمن الاحترام للقوانين والمواثيق الدولية ومن دون ان تتعرض هذه الدول الى العقوبات الاميركية”.
غير ان ايران راهنت اكثر على دور اوروبي قوي يتجاوز “الانستكس” ويصل الى حد الوقوف الى جانبها في وجه الولايات المتحدة الامر الذي لم يحصل بعدما استبق ترامب اي خطوة اوروبية بوضع رسوم جمركية وضرائب جديدة على السلع الاوروبية التي تستوردها الولايات المتحدة.
وما زاد من توتر العلاقات ان ايران لم تتجاوب مع الرغبة الاوروبية في وقف تصنيع وتصدير السلاح الباليستي وتسليمه الى مجموعات مسلّحة حليفة لها تعرّض الاستقرارفي بعض الدول للاهتزاز.
وتنقل الاوساط الدبلوماسية عن مسؤول اوروبي قوله ان “الاتحاد مُنزعج، لا بل مستاء، من عدم تجاوب ايران مع الموقف الاوروبي الذي بادر منذ اليوم الاول لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الى اقتراح حلول وخطوات لإعادة واشنطن الى الاتفاق واستئناف المفاوضات، الا ان ايران لم تتجاوب بل صعّدت موقفها الى درجة التهويل بردّات فعل، فاتّخذت عبر ادواتها الموجودة في اكثر من دولة في المنطقة مواقف متشددة تجاه استحقاقات سياسية، منها لبنان مثلا من خلال شروط وضعها حلفاؤها ايران لتشكيل الحكومة اخّرت ولادتها ولم يفرج عنها الحكومة الا بتدخل روسي قوي بالتنسيق مع الولايات المتحدة وفرنسا والكرسي الرسولي”.
وفي السياق، تؤكد اوساط دبلوماسية غربية، لـ”المركزية”، ان “العلاقات بين ايران والاتحاد الاوروبي، تحديدا الثلاثي فرنسا-المانيا-بريطانيا، ليست على ما يرام بسبب عدة ملفات شائكة، ابرزها لبنان الذي يحظى بحماية ورعاية اوروبيتين الا انه يُعاني من “ثقل” الاجندة الايرانية في المنطقة عبر “حزب الله” الذي يعمل خدمةً لها، لاسيما في الجنوب حيث يتصاعد التوتر مع اسرائيل في وقت تجهد اوروبا لاحتوائه عبر الحوار والتفاوض”.