منتصف الشهر الماضي، وبعد انباء عن عزم شركة “فلاي دبي” على إعادة تشغيل رحلاتها إلى سوريا استنادا الى توجيهات الهيئة العامة للطيران المدني في الامارات، نفت الشركة المعلومة التي كانت اشارت اليها صحف اماراتية وقنوات تلفزيونية عربية، اثر اندفاعة لافتة لأبو ظبي في الاتجاه السوري خرقت الحصار العربي على دمشق من خلال إعادة فتح سفارتها واستئناف العمل السياسي والديبلوماسي بين البلدين. وعلى خطى الامارات، سارت السلطات البحرانية فأصدرت في اليوم نفسه قرارا مماثلا اعلنت بموجبه استمرار العمل في سفارتها في سوريا.
وتباعا، كرّت سبحة الانفتاح العربي فكانت زيارات لرؤساء ومسؤولين من دول عدة، أوحت بفك الطوق والعزلة المفروضة على نظام الرئيس بشار الاسد منذ العام 2011، على رغم تساؤلات كثيرة حول الخلفيات والمستجدات والابعاد. لكن وفيما كانت الخطوات العربية المتسارعة تستكمل مسارها، تفرملت فجأة وجُمدت كل المساعي لعودة سوريا الى الحضن العربي الذي اكد السفير الروسي لدى دمشق ألكسندر يفيموف اهميته البالغة بقوله آنذاك إن “عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية وإنهاء تعليق عضويتها القائم منذ 2011 سيكون له أثر إيجابي على مساعي حل الأزمة السورية”.
ولاحقا، وقبيل انعقاد القمة العربية الاقتصادية في بيروت، ارتفعت وتيرة المطالبة بوجوب اعادتها الى العائلة العربية من جانب بعض الدول، من بينها لبنان والجزائر والبحرين وتونس والعراق والسودان والامارات، وأشار رئيس الجمهورية ميشال عون في كلمته الافتتاحية آنذاك الى وجوب انهاء حالة الشغور في مقاعد عربية، فكان رد غير مباشر من امين عام الجامعة احمد أبو الغيط بأن عودة سوريا تتطلب توافق أعضائها وأن هناك تحفظات، علما ان القادة العرب سيبحثون المسألة خلال القمة العربية التي تعقد في تونس الشهر المقبل، وقد قال الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، في حوار نشرته صحيفة “المغرب” التونسية اخيرا، إن “سوريا هي شاغل القمة القادمة، وقمة تونس تجمع الصفوف وستتم في أحسن الظروف، وإن تونس ستعتمد أي قرار ستتخذه القمة العربية بشأن سوريا.”
وفي انتظار القرار العربي، ومع حديث ابو الغيط من لبنان الاثنين عن غياب التوافق حوله، اشارت مصادر دبلوماسية عربية لـ”المركزية” الى ان في خلفيات الفرملة العربية قرار اميركي بترحيل كل الخطوات المتصلة بالتطبيع مع سوريا الى ما بعد مؤتمر وارسو الذي ينطلق الاربعاء، نظرا لحجم التأثير المتوقع جراءه على ايران من خلال محاصرتها بمقررات ستصدر عن 76 دولة، يبدو من الصعب جدا مواجهتها، ووضعها امام خيار وحيد يقودها مجددا الى طاولة المفاوضات حول ملفها النووي استنادا الى الشروط الـ12 التي حددتها واشنطن. واستنادا، فإن نظام الاسد سيكون اول المتأثرين بالتطور الدولي الاقليمي، فيتم التعاطي معه آنذاك من زاوية جديدة.
اما لبنان، وعلى رغم مناداته بإعادة سوريا الى الجامعة العربية ومحاولة بعض القوى السياسية فرض تطبيع العلاقات معها من اكثر من نافذة، ان في المواقف التي اطلقها وزير الخارجية جبران باسيل من الخارج وشكلت موضع انزعاج من القوى المناهضة وفي مقدمها رئيس الحكومة سعد الحريري، او عبر زيارات وزراء يدورون في فلكها الى دمشق، فإن المصادر تؤكد ان لا يمكن لأي طرف سياسي النفاذ من بوابة سياسة ربط النزاع حول الملفات الخلافية الى التطبيع رغما عن ارادة فريق واسع من اللبنانيين ودول عربية ترفض حتى الساعة اعادة نظام الاسد الى العرب، فلبنان لا يمكن ان يشكّل رأس حربة في الدعوة لإعادة سوريا الى حيث لا يريد معظم العرب لأن العواقب ستكون اكبر من ان يتحملها هؤلاء، وكلام ابو الغيط من بيروت الاثنين وضع نقطة على السطر.