اعتبر الرئيس تمام ان البيان الوزاري واعد يتضمن برنامجا شاملا للنهوض المالي والاقتصادي، آملا أن يتمكن الفريق الوزاري الجديد، بما فيه من خبرات سياسية وعلمية واقتصادية ومالية، وبدعم من جميع القوى السياسية المشاركة في الحكومة، من تحقيق الأهداف التي وردت فيه.
ولفت سلام خلال مناقشة البيان الوزاري في مجلس النواب الى “ان إنجاز الخطط والمشاريع التي يعد بها البيان الوزاري، من شأنه أن ينتشل لبنان من حال التراجع التي يعانيها على كل المستويات، والتي تشكل مصدر شكوى وقلق لجميع المواطنين وأن يحقق نقلة نوعية في مختلف قطاعات الانتاج، وفي عمل الإدارات العامة وسيؤدي ايضا إلى رفع مستوى الخدمات، وتحسين الأداء الاقتصادي ومناخ الاستثمار وبالتالي إلى تحسين مستوى عيش اللبنانيين، وفتح نافذة أمل أمام شبابنا بحياة أفضل في وطن على قدر آمالهم”.
سلام اكد كذلك ان تاريخ لبنان لم يشهد منذ الاستقلال وحتى اليوم، ما رأيناه في السنوات الأخيرة، وبخاصة في الأشهر الطويلة التي استغرقها تشكيل هذه الحكومة، من محاولات لتجاوز الدستور، وقفز على القواعد والأصول، وتجرؤ على قضم انتقائي للصلاحيات، وتداخل غير مبرر بين السلطات، وانحدار غير مسبوق في الخطاب السياسي”.
ولفت الى “إن كل هذه الفوضى السياسية والدستورية، هي نتيجة التقاء خطيئتين: الأولى، خطيئة الأداء المتهور لقوى سياسية، تريد القبض على المستقبل وإعادة عقارب الساعة الوطنية الى الوراء، عبر اختراع مفاهيم وقواعد تخل بالنظام السياسي في البلاد أما الثانية – الخطيئة الأصلية – فهي الخلل الذي دخل حياتنا السياسية منذ اتفاق الدوحة، وأنتج سلسلة من البدع المرفوضة. أولى هذه المفاهيم والبدع المستجدة، وجوب أن تكون جميع الحكومات، حكومات ائتلافية يشارك فيها جميع الافرقاء السياسيين تحت عنوان الوحدة الوطنية”.
وقال سلام: “هكذا ضرب التعريف الأول للديموقراطية، بما هي معادلة أكثرية تحكم وأقلية تعارض ونسف المدماك الأساس للنظام البرلماني القائم على الفصل بين السلطات وغابت القدرة على المساءلة والمحاسبة، لأن القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب صارت شريكة في السلطة التنفيذية”.
اما ثانية البدع غير الدستورية حسب سلام فهي “مسألة الثلث المعطل التي دخلت معجم السياسة اللبنانية بعد اتفاق الدوحة، واخترعت لها تسمية ملطفة هي “الثلث الضامن” هذا المفهوم، الذي بات شرطا ملزما لتشكيل الحكومات، هو تعبير فج عن منطق الغلبة، والإصرار على التحكم المسبق بقرار الحكومة، تحت طائلة تعطيلها أو حتى إسقاطها، مثلما حدث عام 2011 والبدعة الثالثة المستجدة، هي التحريف اليومي لمفهوم “الميثاقية” التي شكلت جوهر الكيان اللبناني المستقل.. وتحويلها إلى ذريعة يستعملها كل راغب في تعطيل المؤسسات، لتحقيق منفعة فئوية، أو خدمة لمصالح سياسية أو طائفية”.
وأضاف سلام: “لقد شهدنا في الأشهر التسعة التي استغرقتها عملية تشكيل الحكومة الكثير من الهرطقة التي تفرض أعرافا وقواعد مبتكرة في العمل السياسي من خارج النص الدستوري. منها، مثلا، تحديد معايير للرئيس المكلف، عليه أن يعتمدها في تأليف حكومته. ومنها نظرية سحب التكليف منه، في حال تعثر عملية تأليف الحكومة وتأخرها ومنها ما سمي حصة رئيس الجمهورية في الحكومة. المفهوم الذي اعتمد استثنائيا بعد اتفاق الدوحة، وكان فخامة الرئيس ميشال عون من أشد معارضيه، قائلا إنه ليس عرفا”.
وواصل: “هرطقة أخرى أيضا تثبيت وزارات لطوائف وقوى سياسية معينة، بحيث ينشأ عرف تصبح معه الحكومات مجرد تجمع لمحميات مستقلة، ومناطق نفوذ موزعة على القوى والطوائف. وهناك أيضا نظرية أن يكون لكل أربعة أو خمسة نواب وزير يمثلهم وتحول كل فريق سياسي شريكا مضاربا للرئيس المكلف تشكيل الحكومة يمتلك حق الفيتو على عملية التأليف، ويختار أسماء وزرائه وحقائبهم. لكنه لا يفصح عنها، إلا عندما تتحقق مطالبه وتلبى جميع شروطه”.
واعتبر الرئيس سلام ان “مجمل هذه الممارسات، تأتي في إطار نهج متعمد بات يطبع حياتنا السياسية منذ سنوات، بحيث صارت أي محطة طبيعية من محطات تداول السلطة في نظامنا الديموقراطي، سواء كانت إنتخابات رئاسية أو نيابية أو تشكيل حكومة جديدة، أشبه بمعركة حياة أو موت، ومناسبة لتخويف اللبنانيين من مصير مجهول، وموسما للصراخ، وللترويج لعدم صلاحية النظام ووجوب إعادة النظر فيه. هنا بيت القصيد، الدستور المنبثق من إتفاق الطائف، الذي مازالت قوى سياسية غير قادرة على هضمه على رغم ادعاء العكس وهناك قوى مقيمة في ماض لا يمضي، تنظر الى الوطن بمنظار مصالحها الخاصة تعبث بخفة شديدة بالقواعد الدستورية، وتجازف بلا وجل بركائز البنيان الوطني”.
واكد “أن دستور الطائف، الذي يحكم الحياة السياسية في لبنان، يجب أن يحظى باحترام الجميع، بنصه وروحه، وأي تعديل له لتحسينه أو لتطويره، لا يتم إلا بفعل إرادة وطنية جامعة، وليس بالتهريب او التشاطر. وبالتأكيد لا يتم بالغلبة والتهديد. لقد طبق اتفاق الطائف حتى الآن بشكل مجتزأ، وبقي عدد من بنوده معلقا، ومنها بنود ذات أهمية قصوى، أبرزها إنشاء هيئة لإلغاء الطائفية السياسية، من شأنها إحداث نقلة هائلة الى الأمام في نظامنا السياسي، وبناء دولة المواطنة”.
ولفت الى انه “بموازاة البدع الدستورية المستجدة، دهمت قاموس يومياتنا السياسية في الآونة الأخيرة، تعابير وأوصاف وطرق غير مألوفة في التخاطب ومقاربة الشؤون العامة. منها استخدام مفرط ومحزن لصفة “القوة” التي باتت تسبغ على الأشخاص والهيئات، وتنسب إلى كل شيء، في بلد أصاب الضعف والوهن كل مفاصله، وباتت أمراضه المتراكمة، تحتاج إلى علاجات جدية ومسؤولة، وإلى مبضع خبير موثوق أولى ميزاته التواضع”.
وسأل: “أين القوة في ما نحن فيه؟ في تعطيل تشكيل الحكومة تسعة أشهر؟ أم في التقصير في معالجة الملفات الحيوية وأولها وأهمها الكهرباء؟ في الطموحات المنتفخة بلا حدود؟ أم في الشراهة اللامتناهية على السلطة ومنافعها هل من علامات القوة احتكار الطهارة ورمي كل الخصوم بالفساد؟ أين القوة في استسهال اللعب على غرائز الناس من أجل مكاسب سياسية، واعتماد خطاب طائفي، بل عنصري، مقزز للشحن والتخويف من توطين وغلبة مزعومين؟ هل من القوة تحويل الوزارات إلى متاريس؟ وماذا عن الظلم اللاحق بمئات الشابات والشبان من كل الطوائف، الممنوعين من التعيين في الوظيفة العامة، على رغم نجاحهم في امتحانات مجلس الخدمة المدنية؟”
وشدد سلام على ان لبنان لا يحتمل هذا القدر من الاستكبار، وهذا السلوك الاستئثاري المسيء للمناخ السياسي في البلاد، مضيفاً: “إننا في حاجة إلى خفض الصوت قليلا والتواضع كثير والتبصر طويلا في مشاكلنا التي تحتاج معالجتها إلى مسؤولية عالية، وإلى قدر كبير من الإحترام المتبادل الذي لا يلغي حق الإختلاف. إننا في حاجة الى التنافس على ما يفيد، وليس إلى تناتش المغانم هنا وهناك”.
وهنأ سلام “الأحزاب والقوى السياسية التي أعلنت، بعد الانتخابات الأخيرة، اعتماد مبدأ فصل النيابة عن الوزارة. وحض باقي القوى على أن تحذو حذوها، لما في هذه الخطوة من تفعيل للعمل التشريعي والحكومي، وتعزيز للمساءلة والمحاسبة ولمبدأ الفصل بين السلطات”.
وعن مسألة النازحين، قال سلام “إن أي خطة سياسية في هذا الخصوص، يجب أن تقوم على احترام سيادة لبنان في المقام الأول. وفي الوقت نفسه، يجب أن تستند إلى معايير القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان والتزامات لبنان الدولية”، موجها “دعوة صادقة الى كل المعنيين، الذين يجمعهم الحرص على مصلحة البلاد ويرفضون كل أشكال التوطين إلى سحب موضوع النازحين السوريين من السجال الداخلي، وعدم استعماله سلاحا في معارك التحريض الطائفي والعنصري”.
واكد سلام “أهمية الدور المركزي للدولة، التي يجب أن يعود إليها وحدها قرار الحرب والسلم، وحق امتلاك القوة المسلحة للدفاع عن الأرض”، مشددا على “إن حصر السلاح في يد الدولة، يجب أن يكون ضمن استراتيجية دفاعية يتم التوافق عليها في هيئة الحوار الوطني”.
وأوضح انه “إذا كانت الحكومات المتعاقبة قد تبنت مبدأ النأي بالنفس، لإبعاد لبنان عن تأثيرات الأحداث الخطيرة الجارية حولنا، فإن ذلك لا يعني، ولا يجب أن يعني على الإطلاق، نأيا بالنفس عن انتمائنا إلى أسرتنا العربية، والابتعاد عن موجبات التضامن العربي”.
وتمنى “على دولة رئيس مجلس الوزراء، أن يعطي توجيهاته الى كل الجهات الحكومية والأجهزة المعنية، من أجل فتح كل الشوارع في بيروت وتحريرها من المربعات الأمنية غير المبررة، ومن كل أنواع العوائق الموضوعة خلافا للقانون، سواء أمام الداوئر الرسمية أو أمام الممتلكات الخاصة. ولقد سرني ما أعلنته معالي وزيرة الداخلية، من أنها تضع هذه المسألة في رأس أولوياتها، الى جانب التشدد في تطبيق قانون السير وقمع المخالفات”.
واعلن سلام منح الحكومة الثقة.