IMLebanon

“حزب الله”… مواقف دعائية أم نمط سياسي جديد؟ 

في عملية رصد لمواقف وممارسات “حزب الله” منذ ما يقارب تسعة أشهر وتحديدا إبان حقبة الانتخابات النيابية، يلمس اللبنانيون تحولا جذريا في سلوكه لا بل شبه انقلاب في أولوياته التي لطالما كانت خارجية، بحيث انتقل تدريجيا من الاستراتيجيات السياسية العابرة للحدود إلى الاهتمام بالتفاصيل المحلية التكتيكية في اليوميات اللبنانية التي لم تحضر يوما في اجندة اهتماماته، استنادا إلى مقاربة جديدة عنوانها الانخراط في الملفات الحياتية والاجتماعية والاقتصادية التي تدغدغ مشاعر اللبنانيين وتلعب على وتر ما يمسّهم في العمق.

فمن تسنى له من المراقبين متابعة مداخلات نواب كتلة “الوفاء للمقاومة” في جلسات الثقة بحكومة “إلى العمل”، عاين بأم العين مدى التحول في مسار الحزب ونظرته إلى الواقع اللبناني وموقعه السياسي فيه، وقد وضع أمينه العام السيد حسن نصرالله الحجر الأساس للنمط الجديد في خطابه الهادئ بعيد تشكيل الحكومة، والذي لاقاه فيه وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف في مجمل مواقفه غير الاعتيادية من بيروت، حيث غابت أدبيات المقاومة وسادت لغة الانفتاح والتعاون وتفهم الآخر، الأمر الذي ربطته مصادر سياسية سيادية عبر “المركزية” بالتحولات الإقليمية التي لا تخدم سياسة طهران، وعلى الأرجح باضطرارها للرضوخ إلى الضغط الأميركي لجهة العودة إلى طاولة المفاوضات حول ملفها النووي، وهو ما ينسحب على الأرجح على “حزب الله”، ويحمله على تغيير مساره من أجل إعادة تموضع جديدة داخل النظام اللبناني تضمن له إثر العودة من الساحات العربية التي انخرط في مسلسل حروبها الدامية، احتضانا شعبيا لا يمكن أن يجده إلا من البوابة المعيشية وتصوير نفسه نصير الشعب الطامح إلى القضاء على الفساد ووقف الهدر لإعادة بناء الدولة القوية التي تؤمن له عيشة هانئة خلافا لواقع حاله الذي كفر به جراء ممارسات الطبقة السياسية.

وتقوم استراتيجية الحزب بنسختها المعدّلة انسجاما مع مقتضيات تبدّل رياح الخارج والمعادلات الإقليمية الجديدة بحسب المصادر على ولوج الباب المعيشي لاختراق الطوق المفروض عليه من خارج بيئته السياسية وفتح نافذة على فريق اللبنانيين المناهضين لسياساته ومقارباته للملفات السيادية، بالتركيز على التعاون مع أي فريق يسعى إلى مواجهة الفساد ولو اختلف معه في المقاربة السياسية.

بيد أن السؤال يُطرح، وفق المصادر، حول مدى جدية الحزب في نهجه الإصلاحي ومضيه في مسار الشفافية ومحاربة الهدر والفساد، وما إذا كان اللجوء إليه مجرد غرض دعائي يتطلع عبره إلى حجز موقع سياسي قوي على الساحة اللبنانية أم أنه سيخوض عن حق معارك في هذا السبيل ويلحق بركب السياسة الاشتراكية والقواتية المعتمدة في مجلس الوزراء على غرار ما حصل في ملف بواخر الكهرباء، والملفات في هذا المجال كثيرة تبدأ من التوظيفات في القطاع العام ولا تنتهي بالصفقات والتنفيعات التي أسهب في الإضاءة عليها عضو الكتلة النائب حسن فضل الله.

ثم، إذا كان الحزب عازما على استكمال مساره هذا، لماذا لجأ نوابه إلى سياسة التعميم عوض تحديد المسؤولين عن الهدر والفساد؟ ولمَ لم يسألوا عن أسباب إلغاء وزارة مكافحة الفساد ما دام عنوانها أولويتهم للمرحلة المقبلة؟

وتردف المصادر في السياق، ماذا عن تصويب الحزب على القطاع المالي والمصرفي الذي يدرك أنه عصب الدولة وعمودها الفقري الذي مكّنها من تجاوز أزمات لم يكن باستطاعتها تخطيها لولا السياسة المالية الذكية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وهل للأمر صلة بالتزام المصارف قانون العقوبات الأميركية المفروضة عليه أم أنه يذهب أبعد من ذلك لوضع اليد على هذا القطاع الحيوي وتثبيت موقعه سياسيا واقتصاديا وماليا في آن تعويضا عن دور سياسي وأمني قد يفقده قريبا إذا ما بلغت التسويات السياسية الإقليمية خواتيمها وأبرمت الصفقات الدولية التي ستعيده إلى الداخل، حيث هيأ أرضية عودته شعبيا؟