كتب عماد مرمل في صحيفة “الجمهورية”:
حملت زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الى بيروت تأويلاتٍ شتّى، ربطاً بتوقيتها الذي فتح الباب، وأحياناً المُخيّلة، أمام تفسيراتٍ متفاوتة تبعاً لمواقع أصحاب الإستنتاجات وعواطفهم السياسية.
وما عزّز الاجتهادات في شأن الزيارة هو انها أتت بالترافق مع الوقائع الآتية:
– خطاب الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي دعا فيه الى التعاون مع ايران والاستفادة من المساعدات التي يمكن أن تقدّمَها في مجالي تسليح الجيش، ومعالجة أزمة الكهرباء وغير ذلك.
– تشكيل الحكومة الجديدة التي يملك فيها حلفاءُ طهران حضوراً وازناً.
– ترتيب مؤتمر وارسو برعاية اميركية في اطار السعي الى تأمين اكبر اصطفاف ممكن ضد ايران.
– تلاحق زيارات الموفدين العرب والدوليين الى لبنان.
وتعتبر مصادر بارزة في 8 آذار، واكبت زيارة ظريف عن كثب، أنّ الاكيد هو أنّ وجودَه في بيروت، في هذه اللحظة الإقليمية، انما يرمز في إحدى دلالاته الى تثبيت دور ايران وموقعها داخل المنطقة، في مواجهة محاولات عزلها ومحاصرتها.
وتستغرب هذه المصادر الضجّة التي رافقت جولة ظريف اللبنانية، علماً أنّ عدد زيارات المسؤولين الايرانيين الى لبنان هو متواضع قياساً على وتيرة زيارات المسؤولين الأميركيين من ديبلوماسيين وعسكريين والتي ينطوي بعضُها على استغراق في تفاصيل داخلية مثلما تصرّف مساعد وزير الخارجية الاميركية ديفيد هيل أخيراً، إلّا أنها لا تلقى الإعتراض نفسه لدى المتحسّسين حيال أيِّ مرورٍ إيراني في بيروت.
وتشير المصادرنفسها الى أنّ السيد نصرالله لم يتفاجأ بالتعليقات السلبية على عرضه التدخّل لدى طهران للحصول على مساعدات إيرانية، خصوصاً بالنسبة الى مدّ الجيش اللبناني بسلاح الدفاع الجوي، وهو كان يعرف مسبقاً أنّ ردّ الفعل سيكون بهذه الطريقة، لكنّ «السيد» أراد أن يُلقي الحجة على السلطة وأن يُبرِّئ ذمّتَه أمامها، وأن ينفيَ عنه تهمة القبض على قرار الحرب والسلم، عبر الدعوة الى تطوير القدرات العسكرية النوعية للجيش، والتي إن تحقّقت، تعني تلقائياً تقليصَ دور المقاومة.
وتلفت المصادر الى «أنّ افتقار المعنيين الى شجاعة قبول اقتراح نصرالله وعروض المساعدة التي قدّمها ظريف شخصياً، سيمنح المقاومة مشروعية إضافية لتعزيز قدراتها التسليحية الدفاعية في مواجهة الخطر الاسرائيلي، بل إنّ «السيد» بات يملك حق اختيار التوقيت المناسب لوقف التمادي في الخروقات الاسرائيلية للاجواء اللبنانية، من دون أن يكون هناك مبرّر لكي يلومَه أحد، بعدما تمّ رفض اقتراح تزويد الجيش سلاحاً قادراً على التصدّي للانتهاكات المعادية للسيادة الوطنية».
وليس خافياً، أنّ مؤتمر وارسو يرخي بظلاله على التحركات الايرانية في هذه المرحلة، كونه يندرج في اطار تصاعد الضغوط على طهران التي تسعى الى ترتيب أوراقها لملاقاة الاحتمالات المستقبلية.
وقبل فترة، زار السفير الايراني في بيروت الرئيس سعد الحريري، محاولاً استكشافَ معالم الموقف الرسمي اللبناني من مؤتمر وارسو، لكنّ الحريري أبلغ اليه أنّ لبنان لم يتلقَّ بعد (آنذاك) دعوةً للحضور. حينها، كان ديفيد هيل يجول على المسؤولين اللبنانيين في بيروت، مطمئِناً حلفاء واشنطن الى أنّ القوات الاميركية لن تخلي المنطقة وأنها ستنسحب من سوريا الى العراق، ولن تبتعد كثيراً. كذلك حاول هيل التشجيعَ الضمني على المشاركة في مؤتمر وارسو، من خلال تقديم عرض سياسي يفيد أنّ ايران تتراجع في المنطقة وأنها تواجه مآزق في الدول العربية التي تمدّد نفوذها اليها، وانّ العقوبات الاميركية عليها وعلى «حزب الله» بدأت تفعل فعلها وتصيب مباشرة جسمهما المالي.
سعى هيل، على طريقته، الى دغدغة عواطف خصوم ايران وجرّهم الى «الخندق الاميركي» الذي يُحفَر في وارسو، لكنّ الحريري الذي يعرف جيداً توازنات لبنان وحساسيته تلاقى مع شركائه في السلطة على ضرورة اتّخاذ موقف بعدم المشاركة في المؤتمر. لاحقاً، وصلت دعوة بولندية رسمية الى الدولة اللبنانية، غير أنّ الأرضية كانت قد أصبحت جاهزة لرفضها، عبر وزارة الخارجية.
ولاحقاً ايضاً، زار أحد الدبلوماسيين الكبار في وزارة الخارجية البولندية طهران، سعياً الى احتواء مفاعيل مؤتمر وارسو، وخشية من أن تبادر ايران الى قطع علاقاتها الديبلوماسية مع بولندا احتجاجاً على استضافتها المؤتمر الذي يجمع أعداء ايران. كان المسؤولون الايرانيون غاضبين جداً، وهم أبلغوا الى ضيفهم اعتراضَهم الشديد على «تورّط» بولندا في مؤتمر يهدف الى محاصرة ايران، فحاول الديبلوماسي البولندي التخفيف من وطأة الامر ودلالاته، مؤكداً أنّ بلاده «لا تريد أن تكون جزءاً من محور دولي يستهدف إيران وأنها حريصة على العلاقات الثنائية»، ولافتاً الى «أنّ دور بولندا يتمحور حول الاستضافة وتقديم المكان لتنظيم المؤتمر أكثر من أيِّ وظيفة أخرى».