كتبت آمال خليل في “الاخبار”:
لكل من «جيران» الليطاني حصة في جريمة تلويثه: البلديات والمؤسسات الصناعية والمعامل والمسالخ والمزارع وغيرها. في مسح شمل سبعة مسالخ و16 مزرعة أبقار من بين عشرات أخرى في الحوض الأعلى للنهر، تبيّن أن التلويث الذي تتسبّب به «مثبت وواضح»، وأن نتائجه قد تكون أشدّ خطورة على النهر وعلى صحة الساكنين في جواره من بقية مصادر التلوث الأخرى
تواصل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني مسوحاتها لتحديد المصادر التي تسبّبت في تحول أهم أنهر لبنان إلى «مجرور» كبير للصرف الصحي. بعد البلديات والمؤسسات الصناعية، طاول آخر المسوحات المسالخ ومزارع الأبقار الواقعة في الحوض الأعلى للنهر، وأوضح أنه «بحسب معطيات وزارة الزراعة، هناك مسلخ واحد مرخص من بين كل 40 مسلخاً في لبنان»! وأشار إلى وجود مسالخ يديرها القطاع الخاص (شركات وأفراد) وأخرى يديرها القطاع العام (البلديات)، لافتاً إلى أن كل المسالخ التي تديرها البلديات (الهرمل/ بعلبك/ بيروت/ طرابلس/ حلبا/ برج حمود/ صيدا/ صور/ بنت جبيل/ الخيام/ النبطية/ جزين/ الغازية/ زفتا) غير مرخصة!
وتبيّن أن المسالخ السبعة في الحوض الأعلى التي شملها المسح «تعمد إلى تفريغ مخلفات الحيوانات والذبائح بالإضافة إلى الدماء وجيف الأبقار النافقة، وتفريغ النفايات السائلة والصلبة الصادرة عنها في نهر الليطاني وروافده، في ظل غياب تام لأي جهة رسمية لا سيما البلديات والمحافظات». فيما تحتوي المياه المبتذلة غير المعالجة الناتجة من هذه المسالخ على «المواد الصلبة العالقة، الأمونيا، النيتروجين، الفوسفور، النيترات، الزيوت والشحوم، البكتيريا ومسببات الأمراض. وهي ملوِّثات تتسبب بضرر للممرات المائية، وتزيد نسبة نمو الطحالب، وتخلق مناطق ميتة منخفضة الأوكسجين تؤدي إلى انعدام الحياة المائية وتخنق الأسماك وتحول المجاري المائية إلى أماكن محملة بالأخطار نتيجة نسبة الجراثيم المرتفعة فيها». وأُرفق المسح برسم بياني أوضح أن حوالى 75% من الأمراض المعدية التي أثرت في البشر على مدى السنوات العشر الماضية في المناطق القريبة من المسالخ، كانت ناجمة عن المخلفات أو المنتجات الحيوانية، وترتبط مباشرة «مع التخلص غير الصحي من النفايات السائلة الناتجة من عمل هذه المسالخ».
وأشار إلى أن التأثيرات الصحية يمكن أن تمتد أكثر لتشمل الأمراض المعدية المعوية والعيوب الخلقية والصرع والإجهاض. كما أن التلوث الناتج من النيترات يمكن أن يسبب «ميثوغلوبينيميا الدم» أو «متلازمة الطفل الأزرق»، وهي حالة مميتة تؤثر في الرضّع.
وطلب رئيس المصلحة سامي علوية، في كتاب مرفق بالمسح وجّهه إلى وزير الصناعة وائل أبو فاعور، بتطبيق المرسوم 34 و35 (الصادر عام 2002) الخاص «بسقوط الحق بالترخيص وبالإقفال وبالإلغاء للمؤسسات التي تلحق أضراراً بالجوار أو بالصحة العامة، حيث يحق لوزير الصناعة أن يطلب إلى صاحب المصنع تسوية أوضاع مؤسسته ضمن مهلة ستة أشهر كي يحصل على الترخيص القانوني. وإذا امتنع عن القيام بما طلب منه ضمن المهلة، يتم إقفال المصنع».
وفي ما يتعلق بمزارع الأبقار، أكّد المسح الذي طاول 16 من 338 مزرعة في البقاع الغربي وزحلة، أن تلويث هذه المزارع للنهر بالمخلفات (البراز والعصارة الناتجة منها) «مثبت وواضح»، وقد «تبيّن أنها ترمي مخلفات الأبقار في نهر الليطاني ونهر الغزيل الذي يعتبر واحداً من أهم روافد الليطاني». ولفت إلى أنه «إضافة إلى المخلفات الحيوانية والروث الذي ينتج منها، يقع العديد من هذه المزارع مباشرة على ضفاف الليطاني». فعدم مراعاة وجود مسافة بين أماكن وجود الأبقار ومخلفاتها وبين المجاري المائية يلوّث النهر بـ«العديد من الملوثات كالمضادات الحيوية والهرمونات التي تدهور نوعية المياه وتؤذي الحياة المائية، والمغذيات (النيتروجين والفوسفور) التي تؤدي إلى استنفاد مستويات الأكسجين الذائب في المياه، والكائنات الدقيقة (القولونيات المتحملة للحرارة والكريبتوسبوريديوم والجيارديا) والمواد العضوية». وأوضح «أن القولونيات المتحملة للحرارة التي يكون مصدرها المخلفات الحيوانية مركزة أكثر بـ 10 إلى 100 مرة من تلك التي يكون مصدرها المخلفات البشرية، أي أن كمية المخلفات الناتجة من الحيوانات أشد خطورة من الكمية نفسها الناتجة من الصرف الصحي للإنسان». وأشار إلى أن «مخلفات الأبقار تحتوي على العديد من مسببات الأمراض التي تعيش وتنتقل عبر المياه مثل السالمونيلا، كولاي، الكريبتوسبوريديوم، والبكتيريا القولونية». كما أن للمخلفات الحيوانية القدرة على نقل أكثر من 40 مرضاً للإنسان. ويمكن أن يحتوي براز الأبقار على معادن ثقيلة مثل الرصاص الذي يسبب مشاكل في الكلى واضطرابات في الجهاز العصبي. فيما تسرّب النترات الموجودة في مخلفات الأبقار إلى المياه الجوفية يؤدي عند استخدامها إلى الإصابة بـ«متلازمة الطفل الأزرق».
إجراءات ملزمة للمسالخ
حدد القانون عبر القرار 7060/ت الصادر عن وزارة الصناعة (17-5-2018) الأسس التي يجب أن تقوم عليها المسالخ القائمة والإجراءات الملزمة لأصحاب مسالخ المواشي والدواجن القائمة والمرخصة وضمت عدة نقاط، أهمها:
– تقدير حجم النفايات السائلة (م3/يوم).
– تجهيز المسلخ بمحطة لمعالجة النفايات السائلة وأخذ عينات وتحليلها.
– تصميم المحطة وعروض تنفيذها لتوجيه أصحاب المسالخ وذلك خلال مدة 4 أشهر كحد أقصى من تاريخ تبلغ أصحاب العلاقة وتنفيذ المحطة خلال سنة من تاريخ تبلغهم.
– تقدم المسالخ القائمة وغير المرخصة بطلب ترخيص إلى وزارة الصناعة خلال فترة لا تتجاوز 3 أشهر من تاريخ تبلغها.
– معالجة المخلفات الصلبة أو التخلص منها بالطرق المناسبة بيئياً.
لجنة مشتركة من «الصناعة» و«المصلحة»
علمت «الأخبار» أن لجنة مشتركة من وزارة الصناعة والمصلحة الوطنية لنهر الليطاني شُكّلت أمس، بعد اجتماع بين وزير الصناعة وائل أبو فاعور ورئيس المصلحة سامي علوية. وتهدف اللجنة إلى «مسح المؤسسات الصناعية المرخّصة الواقعة على مجرى النهر (…) ومتابعة المؤسسات موضوع الملاحقة القضائية والتأكد من التزامها اتخاذ إجراءات وقف التلويث وضمان تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحقها (…) ومسح المؤسسات غير المرخصة ومنع أي شكل من أشكال التصريف في شبكات الصرف الصحي».
مياه الشفة في تمنين وقب الياس
نشرت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني نتائج التحليل الجرثومي لعيّنات من مياه الشرب والاستخدام أُخذت من بلدات قب الياس وتمنين التحتا وتمنين الفوقا في البقاع الأوسط، في 30 كانون الثاني الماضي. التحليل الذي أجري في المركز الوطني لجودة الدواء والغذاء والماء في الجامعة اللبنانية أوضح أن العيّنة التي أُخذت من البئر في بلدة تمنين الفوقا ومن القسطل الرئيسي الخارج منها مطابقة وصالحة للشرب. وفي تمنين التحتا، أظهر تحليل العيّنات التي أُخذت من شبكة المياه العامة صلاحية المياه للشرب. وفي قب الياس التي يوجد فيها مكب عشوائي ضخم للنفايات ومؤسسات صناعية، أبرزها معمل «سيكومو» للكرتون والورق، أظهر تحليل عيّنات المياه التي أخذت من الشبكة العامة في مبنى البلدية التي تتغذى من بئر «البيضاء» صلاحية المياه. لكن المياه الآتية من بئر رأس العين في البلدة كانت غير مطابقة. إذ تبين بلوغ البكتيريا فيها الحد الأقصى المسموح به لمياه الشرب بسبب الصرف الصحي. إذ بلغت الزائفة الزنجارية 34 مستعمرة في الــــ 100 ملليتر والقولونيات المتحملة للحرارة 1 مستعمرة في الــــ 100 ملليتر والقولونيات الإجمالية مستعمرتين في الــ 100 ملليتر. علماً بأن الحد الأقصى المسموح به هو أقل من مستعمرة واحدة في الــــ 100 ملليتر لكل من أنواع هذه البكتيريا. كذلك أخذت عينات من نبع وادي الدلم وتبين تلوثها بالمياه العادمة الناتجة من الصرف الصحي. أما العينة التي أخذت من منزل مشترك في الشبكة العامة تتغذى من نبع وادي الدلم وبئر الطاقة الشمسية، فقد أظهرت خلوها من البكتيريا، ما يعكس جودة التكرير الذي تخضع له في محطة الضخ.