خمس محطات تقاسمت الحدث هذا الاسبوع، اربع منها لبنانية والخامسة دولية، ولكل منها دلالاتها البالغة، على مستوى انعكاساتها على الساحة اللبنانية بما يمكن معه رسم صورة تقريبية لطبيعة المشهد الذي سترسو عليه المرحلة الجديدة بعيد تشكيل الحكومة وما تقتضيه من التزامات وتعهدات لانتشال البلاد من المستنقع الذي اغرقها فيه فراغ الاشهر التسعة والممارسات السياسية الخاطئة.
افتتاحا، حطّ وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف في بيروت الاحد الماضي حاملا “عروضات صحية وكهربائية وعسكرية غير مغرية”، في محاولة لانتزاع قرار لبناني رسمي بقبولها، الا انه فوجئ بموقف حاسم وحازم لجهة رفضها، ولئن سمعه بدبلوماسية من رأس السلطة، مع الشكر سلفا، فلبنان فيه ما يكفيه، وليس مستعدا لإقحام نفسه في متاهة العقوبات الدولية المفروضة على ايران من أجل بعض المساعدات التي تقول مصادر واكبت الزيارة وتفاصيلها، لـ”المركزية”، انها “مش حرزانة” مقارنةً مع ما يقدمه الغرب من منح ومساعدات، خصوصا انه جاء عشية “الجَمعة الدولية” ضد ايران في وارسو.
الرد اللبناني ازعج طهران، وهو ما تظهّر في الانفعال غير المبرر الذي ابداه نائب “حزب الله” نواف الموسوي في جلسة مناقشة البيان الوزاري، فموقف النائب الكتائبي المعارض سامي الجميل لم يكن يستأهل الرد العنيف الذي تعتبر المصادر انه كان مثابة رسالة للرئيس ميشال عون اكثر منه للجميل، وعبّر عن امتعاض دفين جراء الرفض الرسمي للعرض الايراني، خصوصا انه استتبع بمواقف لقيادات “التيار الوطني الحر” رفضت كلام الموسوي وأكدت ان وصول الرئيس عون كان نتيجة تفاهمات سياسية.
ثانية المحطات كانت مع امين عام جامعة الدول العربية أحمد ابو الغيط الذي اقفل باب النقاش، من بيروت، على الهدف الايراني بإعادة سوريا الى الحضن العربي، بتأكيده ألّا توافق عربيا في هذا الشأن، وألّا تعارض بين زيارته وزيارة ظريف، فإيران خارج المنظومة العربية.
وقبل ان تطأ قدما ظريف ارض طهران، حط في لبنان الموفد الملكي السعودي المستشار في الديوان الملكي نزار بن سليمان العلولا مقدما “عروضات عملية” ووعودا قابلة للتحقيق من شأنها دعم لبنان اقتصاديا وسياسيا. فأعلن سفير المملكة في بيروت وليد بخاري رفع حظر سفر الرعايا السعوديين الى لبنان، بعد سنوات من المنع، مبديا كل الدعم للبنان. الخطوة السعودية شكّلت، بحسب المصادر، رسالة إلى طهران بأن لبنان تحت المظلة العربية وسيبقى كذلك والمملكة قادرة على جمع كل الاطياف فيه، باستثناء “حزب الله”، وإلى السلطة اللبنانية بأن لبنان لن يُترك وحيدا، ورفع قرار منع السفر ابلغ دليل الى عودة الثقة بلبنان وحكومته ورئيسها سعد الحريري ودعمه في المجالات كافة. وتاليا فإن زيارة الموفد الملكي قدّمت الكثير خلافا لزيارة ظريف الذي عاد بخفيّ حنين.
المحطة الرابعة اميركية، سجّلها اعلان تسليم الجيش اللبناني شحنة من الصواريخ الذكية المتطورة الدقيقة الموجهة بالليزر تفوق قيمتها 16 مليون دولار، تعبيرا عن التزام حكومة الولايات المتحدة الثابت والحازم بدعم الجيش اللبناني بصفته المدافع الشرعي الوحيد عن لبنان، بحسب ما ورد في بيان السفارة الاميركية في بيروت الذي أقرنته بجدول مفصل يلخص قيمة وكمية ونوع المساعدات العسكرية الأميركية للجيش اللبناني منذ عام 2005 والبالغة 2.29 بليون دولار أميركي. وتقول المصادر ان توزيع الجدول في هذه اللحظة بالذات، وفي أعقاب زيارة ظريف إنما شكّل رسالة مباشرة لإيران تقطع الطريق على امكان تقديم مساعدات عسكرية للجيش اللبناني ومفادها ان المؤسسة العسكرية التي تتلقى هذا الكمّ من المساعدات الاميركية لن تقفل هذا الباب العريض لتفتح نافذة صغيرة على مساعدات ايرانية “هزيلة”.
آخر المحطات في وارسو التي حشدت فيها واشنطن 60 دولة قالت لا لإيران وتدخلاتها العسكرية في دول الشرق الاوسط وانتهت الى بيان ختامي شددت فيه الدولتان الراعيتان، الولايات المتحدة وبولندا، على ضرورة أن “يؤسس هذا المؤتمر للاستقرار في الشرق الأوسط”، فيما دعا وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى التعاون للتوصل إلى اتفاقية عالمية حول تهديدات إيران.
مجمل هذه المحطات، تختم المصادر، وضعت ايران في موقع لا تحسد عليه، فأخرجت “حزب الله” من دائرة “هدوئه المصطنع” الى مربع التصعيد والتشنج، وقد يكون “الآتي اعظم”.