Site icon IMLebanon

صفقة “ليسيه عبد القادر”: بداية مشروع خصخصة التعليم الرسمي؟

طالعتنا وسائل الاعلام وتسريبات رسمية عن صفقة تم الاتفاق عليها بين وزارة التربية والتعليم العالي وادارة «ليسيه عبد القادر» (بإدارة «مؤسسة الحريري» بالشراكة مع السفارة الفرنسية) لنقل طلاب هذه المدرسة الى مجمع تربوي رسمي في منطقة زقاق البلاط («مجمع الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح»). بهذه الخطوة، تكون الوزارة قد قضت نهائياً على مشروع كبير لطالما كان أبناء بيروت يحلمون بانشائه. فهذا المجمّع المنجز منذ سنوات ويتسع لمئات التلامذة، لم تبادر الوزارة الى تعيين جهاز اداري وتعليمي له لاستقبال التلامذة، ما أدّى الى حرمان أهالي بيروت من تسجيل أولادهم فى مدرسة حديثة البناء مجهّزة بمتطلبات التدريس الضرورية التي كانت ضمن دفتر الشروط التي وضعتها وزارة التربية لتنفيذ هذا الصرح التربوي.

كانت الاعذار الرسمية، منذ سنوات، ان المبنى يشكو من ثغرات، وان المتعهد لم ينفّذ بنود الاتفاق الموقع، إلى جانب حجج اخرى بات واضحاً أن الهدف منها كان عدم تشغيل المجمع. وقد بدأت أسباب ذلك تتكشّف حالياً من خلال صفقة تقديم المبنى الرسمي الى القطاع الخاص. ربما لا يعرف البعض أن جزءاً من هذا المجمع يشغله معهد العلوم التطبيقية والاقتصادية التابع للجامعة اللبنانية منذ سنوات، وكانت الصفقة الجديدة تتضمّن تقديم كل مباني المجمع الى «الليسيه». لكن رفض إدارة المعهد اخلاء الجزء الذي يشغله، دفع الى اقتصار الصفقة على جزء من المجمع.
أمام هذه المعطيات والوقائع، لا بد من تسجيل الآتي:

أولاً، لما كانت وزارة التربية والتعليم العالي المسؤولة المباشرة عن كل مؤسسات التعليم الرسمي في لبنان وكل ما يتعلّق بها (المناهج، المعلمين، التلامذة، الابنية المدرسية، التجهيزات، التحديث والتطوير، الاعداد والتدريب…)، أليس الاجدى بهذه الوزارة الاستفادة من مجمع مدرسي حديث البناء لاستقبال طلاب مدارس رسمية تشغل مباني سكنية تفتقر الى الحد الادنى من مقوّمات البناء المدرسي، خصوصاً في العاصمة بيروت؟

ثانياً، هل بدأ مشروع خصخصة المدرسة الرسمية لتتم عملية كهذه برعاية وزارة التربية وموافقتها؟ واذا كان الجواب عكس ذلك، فلماذا لا تبادر الوزارة الى استعادة المجمّع وتأمين الجهاز الاداري والتعليمي وتوفير المستلزمات الضرورية لانطلاق أعمال التدريس فيه مع مطلع العام الدراسي 2019 – 2020 (ورهاننا على الوزير اكرم شهيب لتنفيذ هذا المشروع).

ثالثاً، أين وزراء بيروت ونوابها ومحافظها ورئيس بلديتها من هذه الصفقة، وهم المؤتمنون على المؤسسات الرسمية وفي مقدمها المدرسة الرسمية، ومطالبون بالعمل لتوفير المقعد الدراسي المناسب لابناء العاصمة. هؤلاء، جميعاً، مطالبون اليوم بوقف هذه الصفقة والمبادرة الى افتتاح هذا الصرح التربوي أمام أبناء بيروت مطلع العام الدراسي المقبل بالتنسيق مع وزارة التربية.
رابعاً، أين مواقف روابط الاساتذة والمعلمين الرسميين من صفقة كهذه تتم في وضح النهار وعلى مرأى الجميع ومسمعهم؟ ألا يستحق

التعليم الرسمي مثل هذه الابنية بديلا عن الابنية المستأجرة والتي لا تتمتع بمعظمها بالحد الادنى من المواصفات التربوية والتعليمية؟ وفي هذا المجال، على الروابط كافة اتخاذ الموقف الحاسم والجدي لمنع تمرير هكذا مشروع، والعمل على الاستفادة الفعلية من هذا المجمع لصالح أبناء الفئات الشعبية.

خامساً، دعوة القوى والهيئات والجمعيات كافة لأخذ المبادرة والتحرك للحفاظ على هذا المجمع وتحمل مسؤولياتهم أمام ما يخطط لعدم تمكين اصحاب الدخل المحدود من الالتحاق بالمدرسة الرسمية وارغامهم على التوجه الى التعليم الخاص الذي ينوء اهالي التلامذة من أعبائه وارتفاع أقساطه السنوية.

أوقفوا هذه الصفقة المشبوهة وحافظوا على التعليم الرسمي، ووفّروا لهذا التعليم ما يتطلبه من مقومات لتطويره وتمكينه من لعب دوره المنافس الجدي للتعليم الخاص. والأهم: هل كان المسؤولون والمرجعيات ليظهروا مثل هذه الاهتمام لو أن مدرسة رسمية أو أكثر تواجه أزمة كالتي تواجهها مدرسة خاصة؟ سؤال برسم الجميع.