بعد ثلاثة أيام بنهاراتها ولياليها، وبعد 24 ساعة من الكلام فوق منبر ساحة النجمة، ومداخلات، وخلافات، واشتباكات كلامية وعنفية، أدلى بها 54 نائباً يمثلون كل الكتل الكبرى والصغرى الممثلة بالحكومة، ومطالعة التزم فيها الرئيس سعد الحريري بالشغل والعمل، لمكافحة الفساد وانعاش الاقتصاد ومعالجة قضية النازحين السوريين، منح المجلس حكومته الأولى، أو حكومة العهد الأولى أو الثانية ثقة بـ111 صوتاً، بينهم أصوات كتلة الوفاء للمقاومة التي تمنح الثقة لأول مرة لحكومة يشكلها الرئيس سعد الحريري أو الرئيس فؤاد السنيورة، فضلاً عن الامتناع عن منح الثقة أيام حكومات الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فيما امتنع حزب الكتائب بنوابه الثلاثة، وثلاثة نواب من المنفردين.
من احتفال الذكرى الـ14 لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري، وما اتسمت به المناسبة من روح ترفع، واعتدال سيطر على روحية كلمة الرئيس سعد الحريري، ووصفها الرئيس نبيه برّي بأنها كانت معتدلة وجيدة، ومتفهمة لكلمات النواب في جلسة منح الثقة، إلى الجلسة المشار إليها التي بدأت الثلاثاء الماضي بجلستين يومياً، واصر خلالها النواب الجدد على تقديم أنفسهم، بأبهى الصور وأجملها، لجمهورهم، من زاوية ان الكلام يتقدّم على الأفعال، خلافاً لتوجه الحكومة، التي انتخب لها رئيسها تسمية «الافعال لا الأقوال».
وفي اليوم الأخير لجلسات الثقة، اجتازت الحكومة الامتحان، ونالت ثقة المجلس، التي هي حكومته بـ111 صوتاً، في وقت تجاوز فيه الشارع ومواقع التواصل تبريداً على خلفية ما وصف باعتذار النائب محمّد رعد باسم كتلة الوفاء للمقاومة عمّا صدر عن لسان عضو الكتلة نواف الموسوي، على خلفية سجال مع النائب نديم الجميل، إيذاناً بالذهاب إلى العمل بدءاً من الأسبوع الأوّل.
عند الحادية عشرة وعشر دقائق ليلاً، رفع الرئيس نبيه برّي الجلسة، بعد منح الحكومة الثقة بـ111 صوتاً، وحجب الثقة من قبل 6 نواب، هم النواب: اسامة سعد، جميل السيّد، سامي الجميل، نديم الجميل، إلياس حنكش وبولا يعقوبيان، من أصل 117 نائباً حضروا الجلسة الختامية، وغياب 11 نائباً.
كانت كلمة الرئيس الحريري، الختامية التي طلب على أساسها الثقة تضمنت تعهداً بحل مشكلة الكهرباء وان يكون قراره العمل لحل المشكلات، داعياً إلى التعاون بين أعضاء الحكومة، فضلاً عن التعاون والمجلس النيابي.
إلى العمل
خرجت «حكومة إلى العمل» قبيل منتصف الليل بثقة قياسية، تجاوزت ما توقعته «اللواء» بصوت واحد، وان كانت غير مسبوقة في تاريخ تأليف الحكومات اللبنانية، إذ صوت 111 نائباً مع الثقة من أصل 117 نائباً حضروا الجلسة المسائية، فيما حجبها ستة نواب فقط باتوا معروفين.
وبهذه الثقة العالية التي خرجت بها الحكومة من جلسات مناقشة بيانها الوزاري، التي تواصلت على مدى ثلاثة أيام، وتحدث فيها 54 نائباً، بما مجمله 24 ساعة نقاش، بحسب الرئيس نبيه برّي، ستنصرف الحكومة مباشرة إلى العمل، بحسب الشعار الذي ارتضه، حيث كشفت مصادر وزارية لـ«اللواء» عن ان هناك اتجاهاً لعقد أوّل جلسة للحكومة يوم الثلاثاء المقبل، أي مباشرة بعد انتهاء العطلة الأسبوعية، الا ان المصادر لم تشأ الحديث عن عقد أكثر من جلسة في الأسبوع الطالع، مشيرة إلى ان ما من شيء نهائي في ما خص المواضيع التي ستدرج على جدول الأعمال.
وفهم من المصادر ان ثمة بنوداً مؤجلة من الحكومة السابقة وليس واضحاً ما إذا ستعود مجدداً إلى الحكومة الجديدة، مع العلم ان الحكومة مستعجلة لتنفيذ المشاريع الممولة من قبل مؤتمر «سيدر» وتنفيذ الانفاق الاستثماري في المؤتمر نفسه، وكذلك مناقشة وإقرار موازنة العام 2019.
وتوقعت المصادر ان توجه الحكومة، في أوّل جلسة تعقدها، تحية تقدير إلى القيادة السعودية على الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها واعلنها سفير المملكة في لبنان وليد بخاري برفع حظر سفر المواطنين السعوديين إلى لبنان، في إشارة إلى حرص المملكة على تعزيز العلاقات بين البلدين، وهو ما أكده الموفد الملكي المستشار في الديوان الملكي السعودي نزار العلولا خلال الزيارة التي انهاها أمس.
ويترأس الرئيس الحريري بعد غد الاثنين، اجتماعاً يُشارك فيه ممثلون عن الصناديق العربية والدولية التي التزمت بمساعدة لبنان في مؤتمر «سيدر» في سياق برنامج معالجة الاقتصاد ومواجهة النزوح السوري ومكافحة الفساد، الذي أخذ حيزاً في مناقشات مجلس النواب، وفي البيان الوزاري أيضاً.
ولم تستبعد المصادر نفسها ان تحضر وقائع جلسات الثقة، في المواقف التي سيستهل بها عادة، كل من الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، في أوّل جلسة لمجلس الوزراء، وهي مواقف لن تكون بعيدة عن مضمون ردّ رئيس الحكومة على مداخلات النواب، والتي شدّد فيها على ان البرنامج الاستثماري لمؤتمر «سيدر» هو الفرصة الأخيرة للبنان، وانه برنامج لبناني مائة بالمائة لا علاقة له لا بالتوطين ولا بالنازحين السوريين، وان كان وجودهم زاد الأعباء الاقتصادية والاجتماعية على اللبنانيين.
ووصف الرئيس الحريري في ردّ الحكومة على النواب الهدر في الكهرباء انه «أم المصائب»، لكنه لاحظ مبالغات في كلام النواب عن الهدر والفساد، مذكراً بما عانته البلاد وما دفعته خلال السنوات الماضية من أكلاف نتيجة حروب المنطقة والأزمات السياسية، وتعطيل للانتخابات النيابية ورئاسة الجمهورية وتأليف الحكومات، محذراً من انه إذا لم نتفق مع بعضنا فإن البلد سيفرط بين ايدينا، مؤكداً بأنه ليس من أحد من اللبنانيين أو النواب ضد قانون عصري حديث للمناقصات، أو مكننة الإدارة، أو إعادة هيكلة القطاع العام وتخفيض عجز الموازنة أو إعادة تأهيل البنى التحتية، لافتاً إلى اننا جميعاً شركاء، ومشدداً على ان سنة 2019 ستكون سنة إيجاد حل لمشكلة الكهرباء، وإذا لم نتمكن فسنكون جميعاً قد فشلنا الحكومة والمجلس والعهد.
وخالف الرئيس الحريري توجه بعض النواب إلى ضرورة خفض الفوائد على الودائع في المصارف، معتبراً ان هذا الأمر يجب ان يكون ضمن رزمة إصلاحات، والبداية ستكون من خلال معالجة عجز الكهرباء، ملاحظاً ان كل شيء بات معروفاً، ولا شيء مخبي، وان البلد شبع من المهاترات والمزايدات والتعطيل والتنظير، وهو يحتاج فقط إلى العمل، وهذا قراري، لكنه يتطلب تعاوناً بين الحكومة والمجلس.
وسبق ردّ الحريري توضيحان مطولان من وزير الاشغال العامة يوسف فنيانوس حول ما اثير من أرقام بالنسبة لاشغال الأملاك البحرية، ومن وزير المال علي حسن خليل الذي نفى ان تكون هناك أرقام مخفية لدى وزارته، وانه لم ينفق قرش واحد خارج إطار الموازنة والأصول القانونية، مؤكداً بأننا امام واقع مالي صعب لأسباب داخلية وخارجية، لافتاً إلى انه ستكون هناك قرارات جريئة لتخفيض عجز الموازنة بنسبة 1 في المئة، ثم عدد أرقام الدين العام رسمياً والذي بلغ بحسب خليل 85 مليار دولار أي بزيادة 7 في المئة عن العام الماضي.