كتبت جنى جبّور في “الجمهورية”:
نادراً، ما نجد في ايامنا هذه طفلاً لا يعلم كيفية استعمال وسائل التكنولوجيا المختلفة، وبينما يعتبر بعض الاهل أنّ هذه خطوة ذكية من قبل ولدهم، نجد آخرين يلهون أولادهم عنهم عبر هذه الوسائل. ولكن، آن الآوان للتعرّف على الآثار السلبية المختلفة لهذا الموضوع، بالنسبة لقدرات أولادكم العقلية والذهنية والحرَكية.
تتعدّد الاجهزة التكنولوجية الذكية من «iPad» و«playstation»، و«smartphone» والتلفزيون وغيرها، وفي حين أنها تحمل الكثير من الايجابيات الملموسة في حياتنا اليومية، الّا انها لا تخلو من السلبيات المتنوّعة وخصوصاً على اطفالنا. ولانّ الكثير من الاهل قد يجهلون أو يهملون مضاعفات استعمال التكنولوجيا على قدرات اولادهم، حاورت «الجمهورية» إختصاصية معالجة نفس حركي نايلين طنب، التي اشارت في حديثها الى ابرز المشكلات التي يتعرّض لها الاطفال في هذا الاطار، وعلى دور الاهل الاساسي في هذا الموضوع، وقالت إنّ «هذا الموضوع بات شائعاً جدّاً في عياداتنا، وصحيحٌ أنّ الاهل لا يصطحبون اولادهم الى الاختصاصيين بحجة تمضية وقت طويل على الاجهزة الذكية، انما بسبب المضاعفات الناتجة عن ذلك والتي يجهلون أسبابها؛ فإذا كان الطفل لديه استعداد للصعوبات، وإذا اهمل الاهل تحفيز وتطوير وتنمية قدراته، فبالطبع سيعاني ولدهم من صعوبات فكرية ويدوية ومشكلات نطق واضحة. وفي التفاصيل، بدل أن يخرج هؤلاء الاولاد طاقتهم بواسطة جسمهم ككل أي من خلال الركض او الحركات اليدوية والتواصلية، يخرجونها من خلال اصبع واحد عند اللعب على الاجهزة الذكية. من ناحية اخرى، يزيد هذا الموضوع الضغط النفسي على الاولاد لا سيما عند تركيزهم الكثيف على امر معيّن ما يعرضهم للعصبية، لذلك لا تتعجبّوا إذا لمستم استنفار ابنتكم او ابنكم على امور بسيطة».
شروط اساسية… وعمر الطفل
ايها الاهل، توجد شروط طبّية معيّنة يجب الالتزام بها قبل تعريض اولادكم الى الوسائل التكنولوجية، ومن ابرزها عمر الولد، وأوضحت طنب أنّ «الاطفال منذ ولادتهم حتّى 3 السنوات، هم في صدد اكتشاف نفسهم وقدراتهم الحركية، وبالتالي إنّ تعريضهم للتكنولوجيا يحوّلهم الى متلقّين للمعلومات، وبالتالي يحدّ من مجهودهم العقلي والجسدي، بينما اللعب في الطبيعة او مع الآخرين، يساعدهم على تنمية قدراتهم والاندماج لاحقاً في المدرسة والمجتمع.
باختصار، يُمنع تعريض الاطفال قبل الـ3 سنوات الى جميع الوسائل التكنولوجية، ففي هذه الفترة يكون الولد بحاجة ماسة الى اكتشاف جسمه، لإبراز قدراته، وكل ما ارتفع تحفيزُه كل ما تطورت قدراته، وللحدّ من ادمانه عليها، لا سيما أنّ الطفل في هذا العمر ينبهر بالتكنولوجيا، ما يحدّ من تحفيز دماغه واندماجه وتفاعله مثل تعابير الوجه او الضحك، فيتنج عن ذلك الانفعال السريع والتصرفات غير المدروسة. أمّا بعد الـ3 سنوات فيمكن السماح للطفل باستعمال التكنولوجيا بوقت تدريجي، شرط ابعاده عنها قبل النوم لانها تؤخر موعد خلوده الى النوم بسبب تنشيطها لدماغه، اضافةً الى تأثيرها على نوعية نومه. من جهة اخرى، يفيد الولد مشاهدة البرامج بلغات مختلفة غير لغة الام، فيكتسب معجم كلمات واسع، ويتعلم لغات جديدة، ولكن يجب الانتباه الى استعماله الكلمات او الجمل المكتسبة في غير مكانها، خصوصاً عند الاولاد الذين يعانون من الصعوبات. وهنا على الاهل مرافقة طفلهم عند مشاهدة البرامج، ومتابعته ومساءلته مثلاً «برأيك، ماذا سيحدث لاحقاً»، أو «مَن هي هذه الشخصية، وماذا تفعل»، لمعرفة اذا كان يفهم ماذا يشاهد، ولتحويله من متلقٍ للمعلومة الى مشاركٍ فيها، وهذا امر اساسي لتنمية خياله وقدراته الفكرية والحركية والنطق».
الاستشارة الطبّية عندما…
دور الاهل اساسي جدّاً في تربية وتنمية قدرات اطفالهم، ومن واجبهم الانتباه الى تصرفاتهم، واصطحابهم الى الاختصاصيين في حال ملاحظة عوارض معيّنة وعددتها طنب قائلةً: «عند ملاحظة تكرار اولادكم استعمال الكلمات المكتسبة من الفيديوهات او التلفاز، في غير مكانها، يجب زيارة اختصاصيي النطق، وعند ملاحظة فرط الحركة وعدم القدرة على التحكّم بالمشاعر أو بالقدرات الحرَكية، مثل عدم التمكن من استعمال اليدين بالشكل المناسب خلال الكتابة أو الركض او التوازن او تنسيق حركة اليد مع العين، هنا ايضاً يجب استشارة معالج نفس- حركي، كذلك عند ملاحظة أنّ الطفل لا يسمع او لا ينتبه لأيّ شيء يدور من حوله عند استعمال التكنولوجيا، بل يصبّ تركيزه على امور غير اساسية وغير مفيدة، عندها يجب العمل للحدّ من ذلك. وتندرج العلاجات المطروحة في هذا الصدد ضمن العلاج النفس الحركي على مستوى التحفيز والانتباه والإثارة وادراة العواطف، اضافةً الى العلاج النطقي».
تأثير على الدراسة
في المقابل، لا تقتصر سلبيات التكنولوجيا على الامور التي ذكرناها سابقاً، بل تؤثر على دراسة الطفل وتشتّت تركيزه. وأشارت طنب الى أنّ «بدل التركيز على الدرس يتلهّى بالتفكير في كيفية انهاء المرحلة المعينة للعبة المعنية مثلاً، اضافةً الى ضعف تنسيق الحركات، الكتابة غير الواضحة، خيال ضعيف ناتج عن عاداته في تلقي المعلومة بدل تشغيل ذهنه. وبشكل عام، ترتكز المضاعفات على الامور الآتية:
- عدم الاندماج بطريقة صحيحة
- كبت المشاعر والطاقة ما ينتج عنهما تصرفات غير مناسبة
- عدم تنمية القدرات الفكرية والحركية واليدوية
إلعبوا مع اطفالكم
ونصحت طنب الاهل في نهاية حديثها بـ«ضرورة الانتباه الى عمر الطفل قبل السماح له باستعمال التكنولوجيا على انواعها، واذا لم يطلب اللعب على الاجهزة الذكية او مشاهدة البرامج، لا تقوموا انتم بذلك لإلهائه عنكم، مع التشديد على اهمية مرافقته والتكلم معه خلال استعماله للتكنولوجيا، وعلى اهمية تحفيزه للعب مع الآخرين، وفي الطبيعة لمساعدته في اكتشاف ذاته. ويمكن أن يلعب ويستفيد من خلال مساعدتكم في الطبخ او في الامور المنزلية التي تجعله يحدد الخطوات للوصول الى الهدف، او بأمور بسيطة اخرى مثل المباراة بينكم وبينه، حول مَن يمكنه أن يقف وقتاً اطول على رِجل واحدة، او اللعب بالطابة أو التلوين او الرسم والطلاء (peinture)، وغيرها».