كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
تزامناً مع اعتبار مؤتمر وارسو الدولي، إيران أنها «أكبر تهديد للسلام والأمن في الشرق الأوسط»، ودعوته الى «اتفاقية عالمية» لمواجهتها، شكّكت «قمة سوتشي» الرئاسية الثلاثية بنيّة واشنطن سحب قواتها من سوريا، بعد تقارير تثبت نقل وحدات أميركية من العراق الى سوريا. وهو ما قاد الى القول انّ «قمة سوتشي» قرأت جيداً في كتاب «مؤتمر وارسو».
كان من الواضح بالنسبة الى عدد من المراجع العسكرية والديبلوماسية انّ المواجهة ستقع حتماً بين «قمة سوتشي» الثلاثية بين رؤساء روسيا فلاديمير بوتين وايران حسن روحاني وتركيا رجب الطيب اردوغان و«مؤتمر وارسو»، الذي دعت اليه واشنطن وحضرته 60 دولة عربية، خليجية، أوروبية، أميركية وآسيوية بما فيها اسرائيل. ولم يلتقيا عند النقاط الجامعة التي عبّرت عنها تفاهمات سابقة روسية ـ اميركية.
وبمعزل عن خصوصيات المناسبتين وبفارق يتعدى الهموم المشتركة بين مجموعتي الدول التي شاركت في هذين الحدثين، ليس من الصعب على أي من المراقبين أن يكتشف ما ستؤول اليه التطورات على الساحتين الإيرانية والسورية تحديداً. وفي مقارنة بسيطة بين النتائج التي أسفر عنها الحدثان، فإنّ حجم الخلاف الاستراتيجي يظهر بينهما. ولذلك لن يكون من السهل التوصّل الى توافق على مسار ثابت، سواء بقي عسكرياً او اتجه الى المسار السلمي الذي يدّعي الطرفان السعي إليه.
فبعد ساعات قليلة على إعلان نائب الرئيس الأميركي مايك بنس أنّ المشاركين في «مؤتمر وارسو» اتفقوا على أنّ إيران تشكّل «أكبر تهديد» في الشرق الأوسط، وانّ النظام الإيراني «أكبر مموّل للإرهاب في العالم»، ويمثّل «أكبر تهديد للسلم والأمن في الشرق الأوسط»، كان البيان الختامي لـ«قمة سوتشي» يعبّر عن رفض القادة الثلاثة للسياسة الأميركية في المنطقة والهادفة الى «فرض حقائق جديدة على الأرض في سوريا تحت غطاء محاربة الإرهاب». كذلك اتفقوا، بمعزل عن رأي المجموعة الدولية التي نشأت في مؤتمر وارسو، على مواصلة العمل لتحقيق «التسوية السياسية» في سوريا، وفق مقررات قمم أستانة بعيداً من الثوابت الأخرى التي تأسست على تفاهمات قمم جنيف.
وفي الوقت الذي عبّر مؤتمر وارسو عن استحالة قبول مشاركة ايران في اي من الجهود المبذولة لحل الأزمة السورية، شددت «قمة سوتشي» على ضرورة استمرار التنسيق بين القادة الثلاثة والتفاهم مبدئياً على قمة جديدة بصيغة أستانا بين أواخر آذار وبداية نيسان المقبلين.
وتزامناً مع توجّه قمة سوتشي الى إطلاق أعمال اللجنة الدستورية المشتركة لوضع الدستور السوري الجديد في أقرب وقت، على رغم رفض ايران والنظام السوري الخطوة حتى الآن. قال مؤتمر وارسو انّ «التحديات تتجه الى أوروبا والغرب». وهدّدت واشنطن من مؤتمر وارسو بفرض مزيد من العقوبات على طهران بسبب «استمرارها في توريد الأسلحة الى سوريا، وإعاقة الانتقال الى الحلول الدستورية والسياسية».
وفي مقابل إصرار الرئيس الإيراني من سوتشي على القيام بدور «الوسيط» بين أنقرة ودمشق، طلبَ بنس من دول مؤتمر وارسو، ولا سيما دول أوروبا، سحب الاعتراف بالتفاهم النووي مع ايران. وهو ما سيؤدي حتماً الى تعزيز الحصار عليها للحؤول دون قيامها بأي مهمة خارج أراضيها.
وفي ظل التشكيك الذي عبّرت عنه قمة سوتشي بانسحاب القوات الأميركية من سوريا على رغم وعد الرئيس دونالد ترامب بتنفيذ الخطوة في حملته الإنتخابية الرئاسية، فقد برز خلاف قوي بين أطرافها الثلاثة حول الخطوة والقدرة على تنفيذها. وهو ما عَبّرت عنه مواقفهم المتناقضة، فبوتين يصرّ على أن يملأ الجيش السوري الفراغ وإعطاء الحق للأكراد بحصّة كبيرة في السلطة، فيما أكد اردوغان انّ المنطقة تقع تحت نفوذه وحده وانه قادر على إدارتها لمنع إعطاء اي دور لـ«الإرهابيين» الأكراد فيها، أمّا روحاني فاكتفى بعرض الوساطة بين أنقرة ودمشق.
وأمام هذا الجدول من المفارقات، بين ما آلت إليه قمة سوتشي ومؤتمر وارسو، يبدو انّ هناك ما هو ثابت يتجلّى بأحقية المخاوف التي عبّرت عنها القمة لجهة عدم وجود النية بالانسحاب الأميركي من سوريا. وهو ما أثبتته التقارير الأمنية والعسكرية التي صدرت من العراق وشمال سوريا وجنوبها بفارق ساعات قليلة تساوي الوقت الفاصل الذي تحتاجه عملية انتقال الآليّات من العراق الى سوريا. وهو ما تحدثت عنه حكومة محافظة «الأنبار العراقية» التي أكدت انّ القوافل الأميركية عبرت قبل أيام قليلة الحدود عبر «منفذ طربيل» ومنه الى «قاعدة التنف» في جنوب شرق سوريا، تزامناً مع انتقال أرتال أخرى من الآليات الثقيلة والمدرعات المتنوعة من «مدينة الطَبَقة» في اتجاه «محافظة الرقة» شمال – شرق سوريا.
وأمام هذه الوقائع، لا تتردد المراجع العسكرية والديبلوماسية عن التأكيد أنّ الحديث عن الانسحاب الأميركي من سوريا قد تحوّل ربما الى مشروع سابق في ظل الحاجة إليه الى وقت غير محدد على وقع المعارضة الأميركية القوية التي يلقاها ترامب في مختلف الأجهزة العسكرية والاستخبارية، والتي ستدفعه الى التراجع عن قراره قريباً. ولذلك، قد تظهر سيناريوهات أخرى لم يرصدها أحد بعد على رغم وضوح مسارها.
اقرأ ايضاً: