كتب نذير رضا وخليل فليحان في صحيفة الشرق الأوسط:
شرعت زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب لدمشق أمس، الأسئلة حول موقف الحكومة اللبنانية من زيارة وزرائها إلى العاصمة السورية في ظل تمسك لبنان الرسمي بقرارات الجامعة العربية حول أي خطوة انفتاحية على دمشق، إضافة إلى مدى التزام مكونات الحكومة بقراراتها الرسمية لجهة «النأي بالنفس» عن الأزمة السورية.
وقالت مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» إن الغريب «زار دمشق بصفة شخصية من غير أي تكليف من الحكومة اللبنانية» التي لم تجتمع بعد نيلها ثقة البرلمان، مشددة على أن الغريب «لم يحصل على إذن من مجلس الوزراء، ولم يطلع رئيس الحكومة سعد الحريري على الخطوة، وبالتالي لم يحصل على تكليف رسمي منه أو من مجلس الوزراء بالزيارة».
وزار وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب سوريا حيث التقى وزير الإدارة المحلية والبيئة حسين مخلوف، وتركز اللقاء على سبل تسهيل إجراءات عودة النازحين بأمان.
وأكد الغريب أن «الجانب السوري كان متجاوباً جداً ومرحباً بعودة جميع النازحين»، مضيفا أن «الجانب اللبناني مستعد للعمل مع كافة المعنيين لتأمين العودة بما يضمن مصلحة الدولة اللبنانية».
من جهته، أشار مخلوف إلى أن «سوريا تعمل على ترميم البنى التحتية وشبكات المياه، وتأمين الإجراءات اللوجيستية كافة لتأمين عودة كريمة للنازحين».
وكان المكتب الإعلامي للوزير الغريب أعلن في بيان أنه «سيتوجّه بزيارة إلى سوريا صباحاً تلبية لدعوة رسمية من وزير الإدارة المحلية والبيئة السوري حسين مخلوف، في زيارة هي الأولى له للبحث في ملف النازحين».
ويبدو أن السياق الذي تم في الحكومة السابقة لجهة الزيارات إلى سوريا، يتكرر الآن، حيث يتبرأ مجلس الوزراء منها، ويؤكد أن الزيارات تتم بصفة شخصية، وهي مخرج للأزمة في حكومة تنقسم مكوناتها بين مؤيد للزيارات إلى دمشق وتجديد العلاقات مع النظام السوري، ورافض لها التزاماً بموقف جامعة الدول العربية. وكان وزراء في الحكومة السابقة هم وزير المالية علي حسن خليل، والزراعة غازي زعيتر، والصناعة حسين الحاج حسن، والأشغال يوسف فنيانوس، زاروا دمشق للمشاركة في معرض دمشق الدولي.
وربط البيان الوزاري في الحكومة الجديدة ملف اللاجئين بالمبادر الروسية، حيث يُنتظر أن يدعو الحريري إلى اجتماع للجنة خلال اليومين المقبلين لإعادة تفعيل المبادرات بعد توقفها عند تمويل العودة، وعند مخاوف النازحين من العودة في ظل غياب ضمانات أمنية كافية لعدم اقتيادهم إلى الخدمة والعسكرية الإلزامية. وقالت المصادر المعنية بالملف لـ«الشرق الأوسط» إن الاجتماع سيعقد خلال الأيام القليلة المقبلة، وفي ضوئه يُعاد تحريك الملف للتواصل مرة أخرى من الروس «في ظل وجود معطيات إيجابية لدى مفوضية اللاجئين التي تتعامل بإيجابية مع المبادرة الروسية»، وفي ظل وجود «معطيات لدى الروس بأن النظام سيقدم ضمانات بعدم التعرض للنازحين عند عودتهم»، علما بأن هذه الضمانات المتعلقة بتوقيف التجنيد الإجباري لمدة عامين وضمانات بعدم التعرض للعائدين هي مطالب طلبها الجانب الروسي من دمشق.
ورغم ذلك، أثارت زيارة الوزير الغريب جدلاً سياسيا داخلياً، إذ اعتبرت مصادر حكومية أن الدعوة الرسمية التي وجهها مخلوف لغريب هي عبارة عن «خرق للمبادرة الروسية لإعادة النازحين السوريين إلى ديارهم و(تشويش) على حكومة الحريري بعد نيلها ثقة مجلس النواب وعلى رئيس الحكومة بالذات الذي يرفض إجراء أي اتصال حكومي مع المسؤولين السوريين ليس فقط لاتهام دمشق بأنها ضالعة في اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بل أيضا لأن السلطات أدرجت اسمه على لائحة الإرهاب».
ورأت المصادر أن تصرّف الغريب «مرفوض من قبل الحريري ومن قوى سياسية تدور في فلك موقفه السياسي لأكثر من سبب؛ أولا لأنه لم يطلعه على الدعوة وموضوعها ولم يعلم مجلس الوزراء بها للموافقة عليها وعلى المحادثات التي سيجريها كما هو متبع بالتعاطي مع الدعوات الرسمية التي توجه للبنان، وثانيا لم يستأذن المسؤولين بالسفر إلى دمشق»، كما أن الغريب «يلبي هذه الزيارة قبل الجلسة الأولى لمجلس الوزراء المحددة الخميس المقبل»، فضلاً عن أن الزيارة «ثبتت ما وصفه رئيس اللقاء الديمقراطي وليد جنبلاط بأن غريب (لونه سوري) ولهذا كان عارض تعيينه في الحكومة».
من جهة أخرى، أشارت نفس المصادر إلى أن الموقف الذي طرحه وزير الدفاع الوطني إلياس بوصعب حول سوريا في مؤتمر ميونيخ «تفرّد به على الأقل ولم ينسق حول مضمونه مع الحريري».
وتوقعت أن يثير الحريري هذا التفرد من قبل وزيرين خرقا سياسة النأي بالنفس فيما يتعلق بالأزمة السورية، كما أن زيارة غريب لسوريا «لا مفاعيل رسمية لها وتعتبر شخصية ولن تطرح في مجلس الوزراء ولن يقبل رئيس الحكومة بأي زعم أو اجتهاد من الغريب بأنه تفاهم معه حول الاتصال بسوريا بشأن أزمة النازحين، ولن يقبل بأن يكون قد نسّق موقفه مع أي جهة سياسية أخرى لا سيما أن دعوة الغريب للحديث مع مخلوف أتت بعد إعلان الحريري في دبي من بقاء 800 ألف نازح سوري في لبنان ليعملوا كما هي الحال في قطاعي الزراعة والبناء إلى أن يتم التوصل إلى حل للأزمة السياسية».