كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
على رغم أنّ السجال بين عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب نواف الموسوي ونواب من حزبي «الكتائب» و«القوات اللبنانية» ترك في حينه آثاراً سلبية، تجاوزت جدران مجلس النواب الى الأرض المهيّأة للاشتعال السريع، إلّا أنّ مبادرة «حزب الله» الى احتواء الموقف ومعالجته بالتي هي أحسن لم تُنهِ المشكلة المستجدّة فقط، بل سمحت بفتح أقنية تواصل بين «الحزب» و«القوات»، تبادل عبرها الطرفان الرسائل الإيجابية.
يعلم «الحزب» و»القوات» أنّ الخلافات السياسية التي تفرقهما هي من النوع الاستراتيجي والعميق الذي لا يمكن تخطيه قريباً، إلّا انهما يعلمان أيضاً انّ استمرار الاشتباك بينهما بالاسلحة الثقيلة حول القضايا الخلافية الاساسية هو اشتباك عبثي لن يُفضي الى أيّ نتيجة، ما دام كل طرف متمسّكاً بخياراته المعروفة، إضافة الى انّ توازنات التركيبة التوافقية في لبنان لا تفسح المجال أصلاً امام غلبة فريق على آخر، وبالتالي كان لا بد للجانبين من أن «يتعايشا» في مجلسَي الوزراء والنواب، حيث تختلط احياناً الأوراق والاصطفافات تبعاً للملف.
أكثر من ذلك، أظهر «حزب الله» خلال مفاوضات تشكيل الحكومة، وتحديداً في مرحلة خلاف «التيار» – «القوات»، حرصاً على تمثيل معراب ما دام الهدف هو تأليف حكومة وحدة وطنية تضمّ الجميع، وهذا ما سمعه الوزير جبران باسيل من السيد حسن نصرالله اثناء احد اجتماعاتهما.
وبدورها، مالت «القوات» أخيراً الى تخفيف الصدامات المباشرة مع «الحزب» على خطوط التماس السياسية، وأبدت استعداداً للتعاون معه في مجال مكافحة الفساد والمسائل الإجرائية المتعلقة بشؤون الدولة والناس، الامر الذي لا يرفضه «حزب الله»، بل إنّ أوساطاً قريبة من قيادته تؤكد إمكان حصول تقاطعات بين الطرفين في مواجهة الفساد والتحدّيات الاقتصادية والاجتماعية التي تشكل أولوية المرحلة الحالية.
من هنا، أتى التوتر خلال مناقشة البيان الوزاري في مجلس النواب خارج هذا السياق، لكنّ اللافت أنّ قيادتي «القوات» و«الحزب» أرادتا تطويق الإشكال الطارئ سريعاً وحصر تداعياته، وإن تكن الإنفعالات التي تلت مداخلة الموسوي قد دفعت بعض مسؤولي «القوات» الى تصعيد نبرتهم، انما من دون قطع خيوط التواصل مع «الحزب» في الكواليس بغية إيجاد مخرج مناسب من الزاوية.
وفي الوقائع، علمت «الجمهورية» أنه وبعد الموقف الحاد الذي صدر عن الموسوي، حصل تواصل مباشر بينه وبين زوجة رئيس «القوات» النائب ستريدا جعجع التي حاولت تشجيعَه على معالجة الأمر. كان الموسوي يؤدي الصلاة حين رنّ هاتفه الخلوي مرة أولى ثمّ ثانية تباعاً.
لم يقطع نائب «الحزب» صَلاته، لكنه بعدما انتهى منها دقّق في رقم المتصل فلم يعرفه. وما لبثت أن وصلته رسالة نصية باللغة الانكليزية ورد فيها: «أحاول الاتّصال بك. أنا ستريدا جعجع».
على الفور، اتصل الموسوي بجعجع التي بدت متحمِّسة لتطويق ذيول المشكلة، قائلة له: «يا سيد.. شوف وضع البلد قديش حساس، وأيّ شيء يصدر عنك الآن من باب تصحيح ما وقع، بيكبرك ولا يصغرك. تجاوب الموسوي مع مسعى ستريدا، وأجابها على وقع سعاله: «طمني بالك.. سيكون هناك حلّ، ولو لم أتعرّض لـ«سفقة هوا» بعد خروجي من المجلس لكنت قد توليت بنفسي التوضيح».
في هذا الوقت، كان الموسوي يتشاور مع رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد حول الصيغة التي يمكن اعتمادها لتصحيح ما بدر منه في المجلس النيابي، واقترح عليه نصّاً يتطابق الى حدٍّ كبير مع ذاك الذي تلاه رعد لاحقاً.
بعد التوضيح والاعتذار، عاودت ستريدا جعجع الاتصال بالموسوي، مشيدة بالمبادرة، وقالت له: «ما جرى يا سيد كبّرك، وهو شهادة على نبلكم ومناقبيّتكم. انتم تخاصمون بشرف وتتفقون بشرف»، ثم أضافت قبل ان تقفل الخط: «سلّملي على «السيد» (نصرالله)».
وكان الموسوي قد التقى عقب مداخلته الحادة بالنائب القواتي ادي ابي اللمع، وشرح له أنّ ردَّه في المجلس أتى نتيجة إنفعال شخصي، هو إبن ساعته، ولا يعكس بتاتاً سياسة «حزب الله».
كذلك أبلغ اليه أنّ السيد حسن نصرالله لن يكون راضياً عمّا حصل، «لأنّ قرارنا هو الانفتاح على جميع الكتل النيابية لإنقاذ البلد، وبالتالي نحن لسنا في وارد الخوض في نزاع داخلي مع «القوات» أو أيّ جهة لبنانية أخرى». ولاحقاً، اتصل ابي اللمع بالموسوي، ولفته الى «أنّ القصة كبرانة، ويجب أن تفعلوا شيئاً لتبريد الوضع». وهكذا كان.
كيف ينظر الموسوي الى التجربة التي مرّ فيها؟
يُنقل عن الموسوي قوله في مجالسه الخاصة: «نعم، انا انفعلت وغضبت، ولم يكن لديّ أيُّ حرج في معالجة المسألة بالطريقة التي تحمي السلم الاهلي والاستقرار الداخلي، لأنني لم أكن أصلاً في وارد التصعيد، وأنا غير مكابر وأملك جرأة الإعتراف بالخطأ وجرأة تصويبه، وهذه هي ثقافة «حزب الله» ومدرسته، خلافاً لمَن يمكن ان يذهب الى حرب أهلية حتى لا ينزل عن حصانه. وعليه، أنا كنت مستعداً من أجل راحة اللبنانيين وسلامتهم لأن ألملم الموضوع بأمه وأبيه، لأنّ البلد أهم منا جميعاً ولن أتسبّب في إيذائه من باب الإصرار على رأي أو موقف».
ويتابع: «ربما الايجابية الوحيدة التي يمكن استنتاجُها ممّا وقع هي أنّ تهمة الصلة بإسرائيل باتت مهينة ومستفزة لأيٍّ كان، وهذا تقدم ثقافي ووطني لا يقدَّر بثمن».