مع الانطلاقة الجديدة للعهد وعودة النبض الى عروق المؤسسات الدستورية، بفضل تشكيل الحكومة الجديدة، بعد أشهر من الموت السريري كادت ترمي البلاد في المجهول ليس فقط سياسيا إنما اقتصاديا وماليا أيضا، يكبّر المسؤولون اللبنانيون حجمَ الآمال والطموحات متحدثين عن نَفَس جديد سيحكم عملهم في المرحلة المقبلة، لأننا أمام فرصة أخيرة، لن تتكرر، لإنقاذ لبنان. وفي وقت يؤكد رئيس الحكومة سعد الحريري اننا في صدد ورشة كبيرة عنوانها “الاصلاح”، ولا وقت للسجالات والمماحكات السياسية “وإذا كان غيرنا يريد ورشة مزايدات، فليتحمل هو المسؤولية”، فإن السلطة التشريعية تبدو بدورها عازمة على الانخراط بقوة في هذه الورشة، عبر ممارسة دورها “الرقابي” وإن كان معظم مكونات البيت البرلماني ممثلا في مجلس الوزراء.
وفي هذه الخانة، تندرج مواقف رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي لا ينفك يؤكد أن مجلس النواب سيكون “على سلاحه” لمحاسبة الحكومة على أدائها، كما انه “سيشمّر عن ساعديه” لمتابعة وملاحقة الملفات التي تفوح منها روائح الفساد والمخالفات القانونية، بلا هوادة. وقد رفع بري أمس سقف المواجهة التي سيطلقها مجلس النواب، قائلا “مجلس النواب سيحاسب الحكومة وإن كان ممثلاً فيها وستكون هناك جلسة مناقشة عامّة وأسئلة واستجواب مرة على الأقل شهرياً”. وأشار بري لنقابة الصحافة الى “أنّ أي وزير يرفض دعوة المدعي العام المالي علي ابراهيم سيُحاسب”. واعتبر أنّ مكافحة الفساد تختصر بكلمتين اثنتين: “تطبيق القانون”، مؤكدا أن “عندنا 39 قانوناً لو طُبّقت لكان قضي على تسعين في المئة من الفساد”. وفي حين لفت الى ان “أساس الرقابة وأمها هو مجلس النواب، فعندما يحمي المجلس الهيئات الرقابية (التفتيش المركزي وديوان المحاسبة والقضاء) ويتم الاحتكام الى القانون، لا تعود هناك مشكلة على الاطلاق”، ذهب بري الى حد القول ان “اذا اضطر الامر لتغيير او تعديل قوانين فسيحصل ذلك. ولن يترك البلد بعد اليوم بهذا الشكل على الاطلاق”.
أمام هذا الكلام “الواعد”، تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية”، إن العبرة في التنفيذ، والاسابيع القليلة المقبلة والمئة يوم المقبلة تحديدا، ستشكل حقل اختبار للسلطتين التشريعية والتنفيذية، يُفترض ان يظهر خلالها مدى “صدقية” الحديث عن أسلوب عمل جديد. وقد تكون متابعةُ ملف “التوظيف العشوائي المخالف للقانون في الادارات العامة” من قِبل اللجان النيابية المعنية، وقدرةُ البرلمان على المحاسبة “الفعلية” للضالعين فيه، الامتحانَ “العملي” الاول للتغيير الذي يكثر الحديث عنه… وبحسب المصادر، يمكن البرلمان أن يلعب الدور الاكبر والابرز في انتقال لبنان من عصر “الانحطاط” الذي يتخبّط فيه اليوم، بفعل انعدام المحاسبة والمراقبة، الى عصر النهوض الحقيقي، إن هو قام بواجباته وأحسَنَ ممارسةَ صلاحياته، التي تخوّله اطلاق “ثورة بيضاء” على الفساد والفاسدين، وصولا الى وضعهم خلف القضبان. والامثلة كثيرة على هذا الصعيد، لعل أبرزها من ايطالياحيث لم يتراجع البرلمان عن اصراره على تطبيق القوانين التي لا تتساهل أمام أخطبوط الرشوة والفساد، فمهّد الطريق لمحاكمات وتحقيقات على مستوى عال لجهات نافذة في الدولة، من أشهرها عندما قضت محكمة الجنايات في مدينة نابولي، على رئيس الورزاء الأسبق سيلفيو بيرلسكوني بالسجن لمدة 3 سنوات، ومنعته من تولي مناصب عامة لمدة خمس سنوات، بتهمة إرشاء برلمانيين، اضافة الى محاكمة المدير التنفيذي السابق لمجموعة إيني الإيطالية للطاقة، “باولو سكاروني” وسبعة أشخاص آخرين بتهمة التواطؤ في عمليات فساد دولية، تتعلق بعملية رشوة مزعومة في الجزائر يبلغ حجمها نحو 198 مليون دولار… فهل نرى نموذجا كهذا في لبنان؟