IMLebanon

الحريري لن يلتفت إلى الحرتقات السياسية ولا إلى العراضات!

كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:

لن يبدّل تنظيم الوفود، أكانت وزارية أم سياسية، إلى دمشق، في أولويات رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي يركّز حالياً – كما تقول مصادر وزارية لـ«الشرق الأوسط» – على تهيئة المناخات التي تتيح للبنان التقدُّم من مؤتمر «سيدر» بأوراق اعتماد تمكّنه من الإفادة من القروض الميسّرة والهبات التي رصدها له للنهوض الاقتصادي والتغلّب تدريجياً على أزماته التي كادت تدفعه إلى حافة الانهيار.

وتوضح المصادر أن الحريري رسم لنفسه الخط البياني الذي يؤهل لبنان لتوظيف ما تقرّر في مؤتمر «سيدر»، وهو «لن يلتفت إلى (الحرتقات) السياسية ولا إلى (العراضات) التي يمكن أن تصرفه عن الالتفات إلى أزماته، وتوفير الحلول لها، بدلاً من أن يغرق في المزايدات الشعبوية»، وتحديداً من قبل بعض الأطراف المنتمية إلى «محور الممانعة» الذي يشكّل في الداخل اللبناني امتداداً لإيران وللنظام في سوريا.

ولهذه الأسباب مجتمعة لن ينجرّ الرئيس الحريري – بحسب المصادر الوزارية نفسها – إلى سجال لا لزوم له، ويمكن أن يعيق ترتيبه لأولوياته، ويؤخر التحضير لوضع لبنان على سكة الإفادة من «سيدر» الذي يمنحه «الفرصة الأخيرة للنهوض بالوضعين الاقتصادي والاجتماعي؛ خصوصاً أن هذه الفرصة قد لا تأتي لاحقاً»، بحسب رأي المصادر ذاتها.

ولذلك، مَن يراقب حالياً المسار العام لسلوك الحريري سرعان ما يكتشف أنه يفضّل الصمت لئلا يقحم نفسه في اشتباك سياسي لا مبرر له، وهو يمارس الآن سياسة الصبر، ليس لأنه لا يملك ما يقوله حيال الخروق التي تصدر عن هذا الوزير أو ذاك، بمقدار ما أنه يحرص على حصر اهتمامه في التوجّه إلى الدول المانحة والمؤسسات والصناديق المالية التي كانت وراء إنجاح مؤتمر «سيدر» بغية تمرير رسالة «عنوانها الوحيد أن لبنان أخذ على عاتقه أن يساعد نفسه كأساس لاستجابة المجتمع الدولي لخريطة الطريق لإنقاذه، لأن الهيكل إذا سقط لا سمح الله سيسقط على رؤوس الجميع بلا استثناء».

وفي هذا السياق، يسأل بعض الأوساط عن الأسباب الكامنة وراء إصرار الحريري على عدم الدخول في سجالات مع وزراء في حكومته يرون أن لا حل لعودة النازحين السوريين إلى ديارهم إلا بالحوار المباشر مع النظام في سوريا، وأن على لبنان أن يبادر إلى تطبيع العلاقات معه، لأن سوريا تقف الآن على عتبة الاستعداد لبدء إعادة إعمارها، وهذا ما يفتح الباب أمام الشركات اللبنانية لتكون شريكاً في هذا المجال.

وتجيب على هذين السؤالين مصادر وزارية، وتقول إذا كانت لدى النظام في سوريا القدرة والإمكانات لتأمين عودة النازحين السوريين إلى بلداتهم وقراهم، فإن الحريري لن يقف عائقاً أمام عودتهم، وهو كان أول من تبنّى المبادرة الروسية لضمان عودتهم «لأنه يدرك الأعباء المالية والاقتصادية المترتبة على استضافتهم، والتي تفوق قدرة لبنان على تحمّلها في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها». وفي هذا السياق، تسأل المصادر: «إذا كان النظام في دمشق يتذرّع بأن تسريع عودة النازحين إلى سوريا يتطلب أولاً تطبيع العلاقات بين البلدين، فإن مثل هذه الذريعة تسقط تلقائياً مع تردّده في إعادة النازحين من الأردن ومصر، وهو يقيم مع هذين البلدين علاقات يقال عنها بأنها عادية وليست متوتّرة».

وتلفت المصادر إلى ما قاله الرئيس بشار الأسد أخيراً حول عودة النازحين السوريين، لجهة إعطاء الأولوية للذين نزحوا من المناطق التي كانت تسيطر عليها المجموعات الإرهابية، و«كأنه يغسل يديه من مئات الألوف ممن نزحوا هرباً من اضطهاد النظام في سوريا لهم».

وترى المصادر ذاتها، أن النظام في سوريا «لم يبادر حتى الساعة إلى إعادة النازحين السوريين الذين نزحوا من قراهم إلى مناطق أخرى في سوريا، ولا إلى سحب الميليشيات التي لا تزال توجد حالياً في عدد من البلدات الواقعة في ريف دمشق، والتي كانت وراء نزوح سوريين إلى لبنان».

ورفضت المصادر ذاتها قول أطراف لبنانية منتمية إلى ما يُعرف بـ«محور الممانعة» إن عدم تطبيع العلاقات اللبنانية – السورية سيحرم الشركات اللبنانية من الإفادة من بدء ورشة الإعمار. ولفتت إلى أن الدول والصناديق والمؤسسات المالية القادرة على تمويل إعادة إعمار سوريا «ليست الآن في وارد الدخول في مغامرة لا أفق لها طالما أن الحل السياسي لا يزال متعذّراً والوضع الأمني ينقصه الاستقرار»، مشيرة إلى عدم مبادرة الصين الحريصة على علاقتها بالنظام في سوريا إلى إعلان نيتها المشاركة في إعادة الإعمار، وتشجيع الدول الأخرى على حذو حذوها.

وتابعت المصادر ذاتها، أن بعض الدول التي راهن عليها النظام في سوريا على أنها ستباشر في إعادة فتح سفاراتها في دمشق، سرعان ما بادرت إلى التريُّث بعدما تبين لها أن لا صحة لما كان يقال بأن انفتاحها على الرئيس الأسد سيدفعه إلى فك ارتباطه، ولو على مراحل، بإيران.

وعليه، فإن الترويج لبدء ورشة إعادة إعمار سوريا لا يلقى استجابة، كما يبدو، إلا من بعض أطراف «محور الممانعة» في لبنان كذريعة لتبرير الدخول في تطبيع العلاقات. وتشير المصادر إلى أن أصدقاء النظام السوري حول العالم «يجدون مشكلة مع المصارف، على خلفية رفضها الاستثمار في إعادة إعمار سوريا خوفاً من تعريض أنفسهم لعقوبات، لأنها ليست منفصلة عن النظام المالي الدولي، الذي يُعتبر الناظم الوحيد للعمليات المصرفية التي تتداول بها الدول».

وتؤكد المصادر أن الحريري «باقٍ على موقفه لجهة سعيه إلى توفير كل ما هو مطلوب لإتاحة الفرصة أمام حكومته لتقديم أوراق اعتمادها إلى مؤتمر (سيدر)، في مقابل حرص بعض الأطراف في الحكومة على تجديد تقديم أوراق الاعتماد إلى النظام في سوريا، وهذا أمر طبيعي من وجهة نظرها». واعتبرت، من هذا المنطلق، أن زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، المحسوب على «محور الممانعة»، إلى دمشق «لا تحمل مفاجأة، وقد يكون الهدف منها المشاغبة على التحضيرات الجارية لانعقاد المؤتمر السنوي للنازحين في بروكسل، الذي سيمثل لبنان فيه الحريري على رأس وفد وزاري، لتمرير رسالة للمجتمع الدولي، يراد منها إشعاره بوجود موقفين من عودة النازحين، هما على نقيض ولا يلتقيان».