كتبت فاتن الحاج في “الاخبار”:
أثار تعميم وزير التربية أكرم شهيب، الخاص بمنع الموظفين من التصريح لوسائل الإعلام أو البوح بمعلومات رسمية، موجة استياء كبيرة، خشية أن يؤدي إلى تقويض حرية ممارسة العمل النقابي وتمرير شروط مؤتمر «سيدر» بتقليص التقديمات الاجتماعية وتجميد دفع جزء من سلسلة الرتب والرواتب. شهيب أوضح أن تعميمه يخص الموظفين في إدارته فقط، لا الأساتذة والمعلمين، فيما تنطبق المادة 15 التي استند إليها على كل موظفي القطاع العام، بمن فيهم المعلمون. فهل يعني التوضيح تراجعاً من الوزير؟
استحضار الوزير شهيّب للمادة 15 من نظام الموظفين التي تحظر على الموظف نشر خطب ومقالات وتصريحات والبوح بمعلومات رسمية من دون إذن الرئيس المختص في وزارته، تحت طائلة التعرض لعقوبات مسلكية وتأديبية، ترك ردود فعل متفاوتة في أوساط الأساتذة والمعلمين. وأثار تساؤلات عمّا إذا كان يندرج في إطار كمّ الأفواه والتضييق على العمل النقابي، لتمرير شروط يفرضها «سيدر» تتعلق بتقليص التقديمات الاجتماعية وتجميد دفع جزء من سلسلة الرتب والرواتب ورفع الضرائب، والتمهيد لفرض المادة 35 من قانون السلسلة التي تسمح بالطرد من الوظيفة العامة بناءً على تقييم الرئيس المباشر.
في اتصال مع «الأخبار»، أكد شهيب «أننا لن نتعرّض للحريات»، وأن التعميم «يعني فقط المديرين الأساسيين في الوزارة، لا الأساتذة والمعلمين. وهو أتى إثر انتشار آراء متضاربة للمديرين بشأن ملفات معينة، والمطلوب أن يعودوا إلينا قبل الإدلاء بأي معلومات». وقال إن «الالتباس الذي حصل نابع من تفسير خاطئ لمديرة التعليم الثانوي» جمال بغدادي، التي أحالت التعميم على إدارات الثانويات، وطلبت من المديرين التقيد به.
إلا أن كلام وزير التربية يتعارض مع مضمون التعميم الذي استند إلى المادة 15 من قانون الموظفين العموميين، التي تنطبق على كل الموظفين في القطاع العام، بمن فيهم الأساتذة والمعلمون. كذلك فإن التعميم نفسه نصّ على أنه «يحظر على جميع الموظفين والمتعاقدين والعاملين والمستخدمين في مختلف المديريات العامة وجميع وحداتها أي إلقاء أو تصريح أمام وسائل الإعلام…». ومعلوم أن المعلمين والأساتذة يتبعون لمديريتي التعليم الثانوي والتعليم الابتدائي. وليس واضحاً بعد ما إذا كان طلب شهيب من بغدادي توضيح «الالتباس» تراجعاً عن التعميم بعد ردود الفعل عليه.
التعميم يستبق، بحسب مسؤول قطاع المعلمين في الحزب الشيوعي عماد سماحة، «القرارات الحكومية غير الشعبية التي قد تلاقي اعتراضاً، ليس فقط من القوى النقابية المستقلة، بل أيضاً من الروابط المدجّنة للأساتذة». فيما شبّهته النقابية المستقلة، بهية بعلبكي، «بنظام الموظفين البائد وبالعثمانيين الذين حظروا الجمعيات والتجمعات ومنعوا الموظفين من الانخراط فيها، وهو يُسحب من الأدراج في كل مرة يراد فيها تطويق عمل النقابيين غير المستزلمين للسلطة، ويتناغم مع ملاحقة الناشطين والتضييق على الحريات العامة، ولا سيما حرية الفكر والنشر وإبداء الرأي في صحيفة أو ندوة».
الأستاذ في التعليم الثانوي الرسمي، يوسف كلوت، لفت إلى أنه «عندما كانت روابط الأساتذة والمعلمين والموظفين متماسكة في إطار هيئة التنسيق النقابية، لم يستطع أحد طرح تطبيق المادتين 14 و15 من نظام الموظفين. ولكن بعد استيعاب هذه الروابط، واستتباع قرارها للقوى السياسية، دخلنا في مرحلة الانتقاص من قدر الموظفين والأساتذة، من قانون السلسلة الذي ضرب الموقع الوظيفي لأساتذة التعليم الثانوي، وصولاً إلى هذا التعميم الذي يريد تمرير مقررات سيدر من دون ضجة أو إزعاج».
التزام عدم إفشاء المعلومات غير المتداولة لا يجب أن يعني، بحسب أمين سر رابطة المعلمين في التعليم الأساسي الرسمي، حسين جواد، «منعنا من التعبير عن رأينا كأصحاب حقوق. فالعمل النقابي لا يمكن أن يواجه بالتهديد، والحرب التي شنت على المدرسة الرسمية أخيراً، كانت تستدعي أن نواجهها من دون إذن من أحد». فيما طالب النقابي فيصل زيود، رئيس لجنة الحفاظ على موقع أستاذ التعليم الثانوي الرسمي، وزير التربية بالتوضيح، باعتبار أن التصريح بشأن غير تربوي وأخذ الإذن لنشر كتاب شيء، ومنع إبداء الرأي والمطالبة بالحقوق شيء آخر، «وهذا سيأخذنا إلى كباش كبير، إذا ثبت أن المقصود هو كمّ الأفواه».
إلا أن رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، نزيه جباوي، بدا واثقاً بأن التعميم «ليس موجهاً إلينا كروابط للموظفين لديها حصانة نقابية، بل يعني بصورة خاصة الموظفين الإداريين في الوزارة». فيما اعتبر منصور العنز، عضو رابطة المعلمين في التعليم الأساسي الرسمي، أن القرار «تذكير بتطبيق القانون، وهذا طبيعي جداً، فالحرية يجب أن تكون مقوننة حتى لا تصل إلى الفلتان»! وبالنسبة إلى نائب رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي، جيلبرت السخن، لم يفعل شهيب سوى «التذكير بالقانون، فالمرؤوسون مطالبون بأخذ إذن من رؤسائهم احتراماً للتراتبية الإدارية، وهذا ليس عيباً. وإذا هناك اعتراض على القانون نفسه فليعدّل القانون».
يذكر أن شهيّب تقدم، عام 2012، نيابة عن جبهة النضال الوطني باقتراح قانون ينص على إلغاء البندين 2 و3 من المادة 15 تحت عنوان «الأعمال المحظورة»، وتعديلهما بما يسمح للموظف بأن «يلقي أو ينشر من دون إذن خطي من رئيس إدارته مقالات أو تصريحات أو مؤلفات في أي شأن، إلّا بما يتعلق بمسؤوليته الوظيفية».
«رابطة الثانوي» أداة لتهديد المتمرنين
أدت، أمس، رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي دور ساعي بريد وأداة تهديد بيد وزير التربية في وجه الأساتذة المتمرنين، بدلاً من أن تكون المدافع الأول عن مصالحهم وحقوقهم. وقد تولى نائب رئيس الرابطة، جيلبيرت السخن، إبلاغ الأساتذة بأنّ وزير التربية اتصل بالرابطة خلال اجتماع الهيئة الإدارية، ولوّح باللجوء إلى السلبية وعدم طرح قضيتهم، في جلسة مجلس الوزراء اليوم، «وإذا كنتم تظنون أن تضامن الوزير معكم ضعف فأنتم مخطئون». وبعدما أثار هذا الكلام غضب الأساتذة على مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات الواتساب، عاد السخن وأرسل رسالة صوتية تراجع فيها عن التهديد، وقال إن القصد هو الطلب من المتمرنين أن يبادلوا إيجابية الوزير بإيجابية مثلها، خصوصاً أن رئيس الجمهورية وقع مرسوم الالحاق بالثانوية والوزير ارسل رسالة إلى مجلس الوزراء بمطلب الدرجات الست الاستثنائية.
لجنة المتمرنين أعلنت الاستمرار في الإضراب، لكنها علقت الاعتصام على طريق القصر الجمهوري الذي كان مقرراً تنفيذه بالتزامن مع جلسة مجلس الوزراء.