كتبت سابين الحاج في صحيفة “الجمهورية”:
تلقّت الدول الأوروبية، لاسيما بريطانيا وفرنسا وألمانيا، دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى استعادة مواطنيها «الداعشيين» من سوريا، بفتور، على رغم من تحذير ترامب من الاضطرار إلى «إطلاقهم». ذلك في حين تؤكّد الفصائل الكردية، أنّه من دون بذل الجهد لمحاكمة هؤلاء المتطرفين الأجانب وإعادة تأهيل عائلاتهم فسيكونون بمثابة «قنبلة موقوتة» للمنطقة والعالم.
أصبحت «قوات سوريا الديمقراطية» التي تتصدّرها «وحدات حماية الشعب» الكردية، قاب قوسين من انتزاع آخر جيب لتنظيم «داعش» في شرق سوريا، بمساعدة أميركية. ولكن، يشكّل ملف المتطرّفين الأجانب الذين تحتجزهم عبئاً عليها، خصوصاً بعد اعلان ترامب قراره سحب القوات الأميركية المقدّرة بـ2000 جندي من سوريا.
ويوضح أستاذ العلوم السياسية والدراسات الإسلامية في الجامعة الأميركية في بيروت الدكتور أحمد موصللي في حديث لـ«الجمهورية»، أنّ «أهمية دعوة ترامب البلدان الأوروبية إلى استعادة مواطنيها من الإرهابيين، تكمن في إشارته المبطنة إلى أنّ المهمة الأميركية في سوريا، انتهت. ولكن أيضاً لدعوته أهداف أخرى، منها «نكاية الأوروبيين» وزيادة الضغط عليهم، خصوصاً أنّ العلاقات الأميركية-الأوروبية ليست في حالة جيدة أبداً، لاسيما بين أميركا وكل من فرنسا أو ألمانيا وانكلترا، وهي الدول التي عدّدها ترامب. وكأنه يقول للأوروبيين: نحن حاربنا عنكم وأتى الوقت لتتصرّفوا وتأخذوا مقاتليكم، وإلّا سنطلقهم، وهم قد يهربون ويعودون بطرقهم إلى دولكم. وكذلك يتطلع ترامب إلى تخفيف الحمل عن الأكراد».
وضعٌ ضبابي
عددُ المتطرّفين الأجانب في سجون «قوات سوريا الديمقراطية» يصل إلى نحو 800 من حوالى 50 جنسية، علاوة على ما لا يقل عن 700 زوجة، و1500 طفل في مخيمات خاصة بهم.
وتتردّد دولهم في استرجاعهم، بسبب عدم تقبّل جزء من الرأي العام داخلها للفكرة. ولكن أيضاً خشية أن يهددوا أمن أوطانهم من خلال تنفيذ تفجيرات وأعمال إرهابية… أو يحرّكوا الحركات المتشدّدة.
وما يزيد الوضع ضبابية، أنّ عدد هؤلاء لا يقتصر على المحتجزين لدى «قوات سوريا الديمقراطية»، بل إنّ في إدلب شمال سوريا الآلاف غيرهم، لا زالوا طليقين، مسلحين ويسيطرون على المنطقة.
ويوضح موصللي أنّ «عدد الارهابيين الموجودين في سوريا حالياً حوالى 100 الف، 50 ألفاً منهم تقريباً يقبلون بالحل التركي- الروسي- الايراني المتمثل بمسار استانا، وهم مستعدون ليسلّموا سلاحهم ويندمجوا في دولهم، وراضين أن يكونوا بحماية تركيا وايران، وروسيا. ولكن يرفض في المقابل حوالى 50 الفاً هذه التسوية، خصوصاً أنّ معظمهم على يقين بأنّ الإعدام ينتظرهم إذا عادوا إلى دولهم».
ويلفت أستاذ العلوم السياسية والدراسات الإسلامية إلى أنّ «أعداد الارهابيين في سوريا ضخمة وليست صغيرة لتعرف الدول كيف تتعامل معهم، وهناك أوروبيون وآلاف الصينيين من الايغور، وافريقيون، وأيضاً عرب من مصر، العراق، سوريا، لبنان، تونس، المغرب… وعلى سبيل المثال لتونس وحدها 5 أو 6 آلاف إرهابي في سوريا، والحل الأمثل أن تعود كل مجموعة إلى دولتها لتتعاطى معها».
أوروبا متردّدة
وبعدما ناشد ترامب الأوروبيين على وجه الخصوص لتحمّل مسؤولياتهم، تبدو فرنسا الأكثر تقبلاً لعودة مواطنيها، إذ أعلنت أنها تدرس ترحيل نحو 130 متطرفاً فرنسياً محتجزين لدى الأكراد، غالبيتهم من الأطفال، في حين تحدّث مصدر مقرّب من الملف في فرنسا عن 150 متطرّفاً فرنسياً، 90 منهم دون سن الرشد.
كذلك أبدت ألمانيا استعدادها لمحاكمة مواطنيها المتطرّفين على رغم من تأكيدها أنّ إعادتهم في هذه المرحلة «بالغة الصعوبة»، مشيرةً إلى عدم وجود حكومة في سوريا ترتبط مع برلين بـ«علاقة معقولة»، وتضمن لها الحصول على أدلة وشهادات لملاحقة المتطرفين قضائياً.
وطالبت بلجيكا، من جهتها، بـ»حل أوروبي»، داعيةً إلى «التفكير بهدوء».
في حين، رفضت كل من بريطانيا وسويسرا إعادتهم، واقترحتا أن يخضع هؤلاء للمحاكمة في المكان حيث ارتكبوا جرائمهم. وتساءلت سويسرا: «هل يمكن أن نعرّض السويسريين للخطر من أجل إعادة أناس غادروا بإرادتهم الحرّة لشن حرب في سوريا والعراق؟».
وفيما تعكس المواقف الأوروبية التردّد والارتباك، ترفض الإدارة الكردية محاكمة الإرهابيين في سوريا، ساعية إلى إرسالهم إلى بلدانهم.
ويؤكّد موصللي، أنه سيترتّب على الأميركيين لمحاكمة الإرهابيين في سوريا تسليمهم إلى الحكومة السورية، وترفض أميركا هذا الاحتمال، إذ ألمح ترامب إلى إمكانية إطلاقهم بدل تسليمهم لدمشق.
مصير «الداعشيين»
إلى ذلك، يرى موصللي أنّ «الأمر يتطلب مخرجاً جديداً، من الأمم المتحدة للتعامل مع هذه القضايا، خصوصاً أنّ معظم الدول لا تريد أن تأتي بإرهابيين إليها».
ويوضح أنّ «قوانين الحروب الكلاسيكية، تنصّ على تبادل الاسرى، إلا أنّ الأميركيين بعد أحداث 11 ايلول رفضوا أن يُعاملوا الارهابيين معاملة الاسرى العاديين، وقد شهدنا سوقهم إلى معتقل غوانتانامو وغيره.. لتعذيبهم، على اعتبار أنّ هؤلاء لا ينطبق عليهم ما ينطبق على من أرسلته دولته ليحارب، وتريد استرجاعه».
وفي هذا السياق، تُبدي جهات حقوقية قلقها من احتمال نقل المتطرفين إلى العراق المجاور، الذي حَكم على مئات الأشخاص بالإعدام أو السجن المؤبّد لانضمامهم إلى «داعش»، أو حتى تسليمهم إلى تركيا التي تتواجه مع «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) في ادلب، و»داعش» جزء من هذه الجماعات المتطرّفة.
ولكن، يعتبر موصللي أنّ «الدول، ولاسيما تركيا، لا تريد تحمّل هذا العبء وأخذ فرنسيين وألمان.. والحكم عليهم بالاعدام مثلاً، والتورط مع دولهم، خصوصاً أنّ أوروبا مناهضة لعقوبة الإعدام، وتقدّم في المقابل احكاماً تخفيفية».
كذلك يستبعد أن يتم إدخالهم إلى إدلب ليحاربوا الأتراك، لأنّ في ذلك مشكلة للأميركيين والأتراك.
وفيما تعمل روسيا وتركيا وإيران في إطار «عملية استانا» على حل سلمي لإدلب، يقضي على الإرهاب، ويجنّب إدلب حرباً مدمّرة، لا توفّر موسكو مناسبة لتذكّر بأنها ستقدّم الدعم العسكري لقوات النظام السوري لتحرّر إدلب من الارهابيين، بعدما باتت «جبهة النصرة» تسيطر على 90 في المئة من مساحتها.
ويؤكّد موصللي أنّ دول «أستانا» تحاول التوصل إلى صيغة ليسلّم الارهابيون أنفسهم، فيُرسَل الأجانب منهم إلى دولهم، وتُسلَّم الجماعات المحلية الى سوريا ولكن بعهدة الروس.
ويشدّد على أنه في إطار هذا الوضع المعقّد قد يكون الحل الأمثل للإرهابيين حالياً بأن تستعيدهم دولهم وتحاكمهم، وإلّا فقد يبقى احتمال استخدامهم في حروب أخرى قائماً.
ويقول: «يمكن أن يأخذهم الأميركيون إلى باكستان، أفغانستان، أو بلوشستان على حدود ايران، حيث تعمل أميركا حالياً من الجوار العربي لايران ضدها». ويضيف: «استخدام هذه الجماعات وارد في كل العالم وفي اي ساعة».