فيما يصرّ البعض على تسويق «ماكنزي» كصاحبة رؤية اقتصادية للبنان، تواجه شركة الاستشارات الدولية دعاوى بالجملة لدورها في إخفاء معلومات عن شركات واجهت الإفلاس. وقد وافقت الشركة، أول من أمس، على تسوية بقيمة 15 مليون دولار مع وزارة العدل الأميركية تتعلّق بثلاث دعاوى تتّهم الشركة بعدم الكشف عن تضارب المصالح في قضايا الإفلاس على مدى عقدين من الزمن.
وتعتبر هذه التسوية من بين أكبر التسويات التي يقوم بها خبير اتحادي في قضايا الإفلاس مع شركة متّهمة بعدم الامتثال لقواعد الإفصاح، وفقاً لوزارة العدل الأميركية، كما أنّها تضاف إلى التدقيق المتصاعد لعملاق الخدمات المهنية (أي ماكنزي).
بدأت القضية حين أدلى جاي أليكس (صاحب شركة Alix Partners الاستشارية) بمزاعم حول سلوك «ماكنزي» في تقديم المشورة للشركات التي تمرّ بعجز أو إفلاس، بما في ذلك الادعاءات التي أفادت بها الشركة بشأن سلسلة من الإفلاسات، بينما أهملت الكشف عن أن صندوق التحوّط الداخلي لديها استثمر في الشركات الدائنة.
وبحسب برنامج الوصاية الأميركي التابع لوزارة العدل USTP، فإن «ماكنزي أخفقت في التعرّف إلى العملاء الذين كانوا على صلة بالدائنين الذين تمثّلهم، وافتقرت إلى الصراحة في ما يتعلق باستثماراتها في كيانات يمكن أن تخلق تضارباً في المصالح».
وقال مدير USTP كليف وايت، في بيان حذّر فيه من اتخاذ إجراءات صارمة بحق الشركة في المستقبل: «فشلت ماكنزي في الوفاء بالتزاماتها بموجب قانون الإفلاس، وأظهرت عدم وجود صراحة مع المحكمة و USTP». وأضاف: «إذا تكرّر هذا السلوك مستقبلاً، فسوف نسعى إلى المزيد من العلاجات البعيدة المدى».
وقد قضى الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد عملية وساطة أشرف عليها قاضي إفلاس اتحادي (بحسب الفصل 11 من قانون الإفلاس الأميركي)، بدفع «ماكنزي» 5 ملايين دولار لكل من الدائنين: Alpha Natural Resources، وWestmoreland Coal و SunEdison.
من جهتها، اعتبرت «ماكنزي»، في بيان، أنّها لم تعترف بالمسؤولية أو سوء السلوك أو أن أي من إفصاحاتها كان «غير كاف أو غير متوافق» في أي من حالات الإفلاس من 2001 إلى 2018. وقالت الشركة إنها وافقت على هذه التسوية «من أجل المضي قدماً والتركيز على خدمة عملائها». وتأتي التسوية، بحسب صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، بعد ورود اسم «ماكنزي» في فضيحة فساد في جنوب أفريقيا، حيث اتهمها مشرّعون بارتكاب مخالفات جنائيّة محتملة.
«نيويورك تايمز» تفرّغ أسطورة «ماكنزي»
لأنّ الشكوك في شأن عمل «ماكنزي» كانت كبيرة، فقد عمدت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية على مدى أشهر إلى متابعة ملف الشركة وفضائحها. وقد خلصت في تقرير نشر أول من أمس، بعنوان: «كيف وثّقنا أسرار وقوّة ماكنزي» إلى أنّ الشركة الأسطورة تملك سجلاً غير نظيف.
تقول الصحيفة في تقريرها إنها حين بدأت تحقيقاتها بشأن الشركة «كنّا نعرف مدى صعوبة ذلك»، إذ إن «ماكنزي وضعت نفسها في مرتبة الشركة الاستشارية الأكثر تأثيراً في العالم، ليس فقط من خلال توظيف طلاب الـ Ivy League الأذكياء (ينتمون إلى الجامعات الثمانية الأشهر في أميركا)، ولكن أيضاً من خلال حفاظها على وعدها المقدَّس: السريّة. إذ على مدى 92 عاماً، التزمت الشركة عدم الإفصاح عن أسماء عملائها أو المشورة التي تقدّمها لهؤلاء.
في سياق تقريرها، تقول الصحيفة: «كنّا مفتونين بشركة بدَت موجودة في كل مكان – ولم تكن موجودة في أي مكان في الوقت ذاته». وباعتبارها شركة خاصة، فهي «غير مُلزمة بإبلاغ الجمهور بأيّ معلومات».
هناك أنواع أخرى من الشركات، لا سيما شركات المحاسبة ومصارف الاستثمار التي لديها قوائم عملاء متشابهة، ولكن يتم الإشراف عليها من قبل الوكالات الحكومية. هذا الافتقار للمساءلة، خصوصاً بالنسبة إلى شركة مؤثّرة مثل «ماكنزي»، «جعلنا نتعمّق في سلوكها حول العالم».
السؤال الأساسي الذي طرحته «التايمز»: هل تتطابق سمعة «ماكنزي» النقيّة باعتبارها أفضل مزوّدي «أفضل الممارسات» best practices مع سجلّها؟ «بعد مرور ما يقرب من عام من بدء التحقيقات، وجدنا أنّ الإجابة كانت في الغالب: لا».
تلك «اللا» عزّزها المدعي العام في ماساتشوستس الذي اتهم ماكنزي بإشعال ألسنة «اللهب الأفيوني». في الأوراق القانونيّة، يقول المدعي العام إن «ماكنزي» قد أصدرت تعليمات لصانع مادة أفيونية قوية حول كيفية «تعجيل مبيعات» الدواء، وكيفية مواجهة الجهود التي يبذلها وكلاء الأدوية للحدّ من استخدام الأفيون وكيفية «مكافحة الرسائل العاطفية من فقدان مراهقين بجرعات زائدة».
تضيف الصحيفة: على رغم رفض «ماكنزي» السماح لموظفيها بالتحدث بحرية إلينا (نيويورك تايمز)، فقد تمكنّا من التواصل مع 44 موظفاً سابقاً وحالياً في الشركة في جميع أنحاء العالم، عبر استخدام أشكال مختلفة من الاتصالات المشفرة.