لم يكن أكثر تعبيراً عن المرحلة الجديدة التي تنطلق في لبنان اليوم مع أول جلسةِ عملٍ لحكومة «إلى العمل» من صورةِ رئيسِها سعد الحريري يمارسُ «الملاكمةَ» مع بطلِ العالم في Kickboxing-Light Contact (الطفل صائب الهاني) في «لقْطةٍ» رياضية (تَودُّدية) «استعيرتْ» لـ«إسقاطها» على الواقع السياسي المحكوم داخلياً بـ«علم الرياضيات» والأرقام في تَلمُّسه طريقَ خروجٍ من «الحفرة» الاقتصادية – المالية، وخارجياً بصراعاتٍ كبرى متشابكة «يصارع» للبقاء خارج «حلبتها» عبر «حبْل» النأي بالنفس الذي يتعرّض لامتحاناتٍ مبكّرة.
وإذا كان الحريري وضع عنواناً رئيسياً لحكومته بعد ولادتها هو النهوض بالبلد والعمل بعيداً من منطق التعطيل و«النكد السياسي» معلناً «بلا قفازات» أن مَن سيعرقل «سيصطدم بي»، فإن أوساطاً سياسية لاحظتْ ان «السباق» انطلق سريعاً بين مسار الإنقاذ المالي – الاقتصادي عبر سكة «مؤتمر سيدر 1» والإصلاحات الملازِمة له وبين مسارِ محاولة بعض الأفرقاء الإمعان في محاولة تظهير وجود «تَفوُّق» إيراني في الواقع اللبناني عبّرت عنه توازنات الحكومة وذلك من خلال أمريْن: الأول الدفْع نحو التطبيع مع النظام السوري من بوابة ملف النازحين، والثاني السعي لربْط «بلاد الأرز» بـ«المحور الإيراني» تحت عناوين اقتصادية – عسكرية بعد «الإلحاق الاستراتيجي» الذي يقوم به «حزب الله» بوضعيّته وانخراطه في أكثر من ساحة.
ولم تُخْفِ هذه الأوساط وجود علامات استفهام كبرى حول كيفية نجاح سياسة «فائض الواقعية» القائمة على تحييد الملفات السياسية الخلافية وعزْل ورشة النهوض عنها، في ظلّ معطييْن بالغيْ الدلالات:
أوّلهما زوال الحدّ الفاصل بين المشروع الاستراتيجي لـ «حزب الله» وبين لعبة إدارة السلطة والدولة بشقّها «المحلي»، وهو ما برز بوضوح بدخول الحزب القوي على العناوين الداخلية عبر حقيبة سوبر دسمة هي الصحة كما من خلال إعلاء شعار «لا صوت يعلو صوت المعركة ضدّ الفساد» مع تلويحٍ بمسار «انتقائي» بنكهة سياسية «انتقامية» يركّز على عنوان إنفاق حكومتيْ الرئيس فؤاد السنيورة بين 2006 و2009 والبالغ 11 مليار دولار.
والثاني الخشية المتزايدة من تحوُّل لبنان «كيس ملاكمة» إقليمياً – دولياً، ولا سيما بين إيران التي كانت سارعتْ لإيفاد وزير خارجيتها محمد جواد ظريف لتأكيد «الثقة» بالحكومة الجديدة قبل نيْلها ثقة البرلمان، وبين واشنطن التي لا يُستبعد ان توفد وزير خارجيتها مايك بومبيو الى بيروت الشهر المقبل، والتي وجّهت رسالةً «بلا روتوش» الى الحكومة الجديدة عبر سفيرتها اليزابيت ريتشار بدت بمثابة «بطاقة صفراء» حيال مجمل الواقع اللبناني و «المخاطر عليه» ولا سيما لجهة الإعراب عن القلق من تنامي دور «حزب الله» في الحكومة والإشارة الى انه «مستمرّ بخرق سياسة الحكومة النأي بالنفس من خلال مشاركته في النزاعات العسكرية في ثلاث دول على الأقلّ»، وذلك وسط تقارير تحدثت عن عقوبات أميركية جديدة مرتقبة على الحزب.
وفي حين يزداد المتسائلون في بيروت عن كيفية «النفاذ» بمشروع النهوض من «شِباك» الاشتباك الاقليمي – الدولي الكبير من حول لبنان، وفي جانب منه عليه، كما عن إمكان نجاح الحريري الابن حيث جرى تفشيل والده الرئيس رفيق الحريري لتَسقط بالكامل نظرية التعايش بين «هونغ كونغ وهانوي» باغتياله العام 2005، تتجه الأنظار الى المناخ الذي سيسود جلسة مجلس الوزراء اليوم وإذا كانت الحركة التي جرت الثلاثاء والتأكيد على التضامن الوزاري احتوتْ فعلياً تداعيات زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب لدمشق (الاثنين) وتحفُّظ وزير الدفاع الياس بو صعب في مؤتمر ميونيخ للأمن عن وجود منطقة آمنة بين سورية وتركيا واعتباره أي وجود عسكري تركي من دون موافقة دمشق هو «احتلال»، وهما الخطوتان اللتان اعتُبرتا من بعض الأطراف السياسية خرقاً للنأي بالنفس.