من حيث كان لقاؤهم اول مرة، عكست تصريحات قادة روسيا وتركيا وإيران في اجتماعهم الرابع في منتجع سوتشي، على البحر الأسود في 14 الجاري، تضارب المصالح والتباين من مصير إدلب والوضع في منطقة شرق الفرات. ففيما تحدث الرئيسان فلاديمير بوتين وحسن روحاني بلغة قوية عن “ضرورة إنهاء الوجود الإرهابي في سوريا وتسليم كل الأراضي السورية للسلطات الشرعية”، جدد الرئيس رجب طيّب أردوغان تأكيد “رفض شنّ عمل عسكري في إدلب، لأنه لا يمكن تكرار سيناريو حلب”.
واستبقت روسيا القمة الثلاثية بالتلويح بعمل عسكري لاقتلاع ما تصفه بالإرهاب في آخر معقل للمعارضة السورية المسلّحة في ادلب، ومارست ضغطا على الارض بقصف صاروخي وبالمدفعية الثقيلة والقذائف، الميليشيات المرتبطة بتركيا الموجودة في محيط محافظة إدلب، وانضمت اليها إيران داعية هي الأخرى إلى تطهير منطقة إدلب من مقاتلي جبهة “النصرة”.
وتعدّ ادلب مصدر قلق غربي بعدما سيطرت “هيئة تحرير الشام” (النصرة سابقا) التي تضم مجموعات ارهابية ومئات من المقاتلين الاجانب الذين يشكّلون تهديدا للامن الاقليمي والدولي على المنطقة من دون اي ردع تركي وأدى ذلك الى طرح المسؤولين الاوروبين اسئلة حول الدور التركي هناك وضلوعه في تمدد هذه المجموعات.
ووفق اوساط دبلوماسية تحدّثت لـ”المركزية”، فإن “الدول الاوروبية تفضّل معالجة الوضع في ادلب بالحوار بعد نزع سلاح الارهابيين لإضعافهم، وهذا ما لم تنفّذه الدول الضامنة في آستانا مع انها بشّرت بحصوله”.
وتقف انقرة إلى الآن في وجه اي عملية عسكرية يريدها النظام السوري ومن خلفه روسيا في ادلب، لذلك اشارت الاوساط الى ان “الاتّجاه الغالب لمعالجة الامر من دون مواجهات عسكرية كبرى، انما عبر عمليات “موضعية” لتنظيف الجيوب وترك المواجهات داخل المنطقة بين القوى المختلفة”.
وبالتوازي مع هذه العمليات العسكرية المحدودة، تشدد الدول الغربية، خصوصا الاوروبية منها، على ضرورة مواصلة المفاوضات لتثبيت الحل السياسي تجنّبا لمعارك قد تؤدي الى موجات نزوح جديدة.
ولا يقف ملف ادلب وحده عائقا امام التفاهم الكامل بين ثلاثي سوتشي، اذ لا يزال الموضوع الكردي يُشكّل نقطة تباعد تتخطى هذه الدول من دون ان يتم التوافق حوله. وعاد مصير الاكراد ليُطرح بقوّة عقب القرار الأميركي المُفاجئ بالانسحاب العسكري من سوريا، وهو ما اعتبره مراقبون ضربة كبرى للاكراد الذين يعدون الحليف الابرز للاميركي في سوريا.
وبحسب الاوساط الدبلوماسية، “فإن تركيا رفضت عرضا اميركيا اوروبيا يستند الى إعطائها مسؤولية إدارة منطقة شرق الفرات حيث التواجد الكردي من منطلق احترام الحقوق وليس إحداث انقسامات في المنطقة بانتظار حل الازمة السورية فيكون الملف الكردي من ضمن مواضيع البحث، لكن انقرة رفضت ذلك على اعتبار ان الاكراد في تركيا مواطنون يمارسون حياتهم السياسية كاملة ينتخبون ويُنتخبون كسائر المواطنين”.
وكان رئيس النظام السوري بشّار الاسد دعا في اطلالته الاخيرة الاكراد الى ان يلتحقوا بالنظام، لكن تبين وجود استحالة وفق الاوساط، لأنهم لا يستطيعون التفاهم مع النظام رغم اغداق الوعود بإعطائهم حقوقهم وانشاء وضع خاص لهم، كما ان الاتراك والروس وحتى الايرانيين لا يوافقون على منح الاكراد مكاسب سياسية، لذلك ترك اجتماع سوتشي هذا الملف جانبا ليُصار الى بحثه لاحقا في الاجتماع المقبل في تركيا.