قرر رئيس الجمهورية ميشال عون خلال ترؤسه مجلس الوزراء الخميس، إرجاء النقاش السياسي الى ما بعد انتهاء البحث في جدول الاعمال، لإدراكه ان التباينات كثيرة وستفجّر أولى جلسات الحكومة بعد نيلها الثقة. غير ان سياسة “الهروب الى الامام” هذه والتي حالت هذه المرة، دون نسف الجلسة في بداياتها، هل يمكن ان تصلح لادارة السلطة التنفيذية في المرحلة المقبلة كلّها؟
السؤال تطرحه مصادر سياسية مراقبة عبر “المركزية”، تعتبر في معرض تعليقها على مجريات الجلسة امس ان الانطلاقة الوزارية المتعثرة غير مشجّعة، وقد عرّت سريعا، التركيبةَ الوزارية “الهشّة”، امام الرأي العام اللبناني والدولي ايضا، اذ دلّت الى ان لا تفاهم بين اهل البيت الحكومي الواحد، على قضايا “وجودية” كبرى كملف النزوح السوري، ولا رؤية مشتركة لديهم لكيفية مقاربتها وحلّها.
الا ان الاخطر هو انهم يختلفون حتى على تفسير مفاهيم “جوهرية” وأساسية، لعلّ أبرزها “النأي بالنفس”. فقد أظهرت المداخلات الوزارية ان كل طرف يقرأه من زاوية خاصة به. فالرئيس عون قال “اننا ننأى بأنفسنا عما يحدث في سوريا، ولكن لا يمكن أن ننأى بأنفسنا عن النازحين السوريين الموجودين في أرضنا”، مشدّدا على أن سوريا “جارتنا وموجودة على حدودنا، ومصلحتنا أن ننسق معها”، ومعتبرا ان “موقف وزير الدفاع (في ميونيخ) ينسجم مع الموقف العربي”.
واذا كان وزراء “القوات اللبنانية” رفعوا الصوت الاعلى أمس ضد ما يرون فيه “محاولات للتطبيع مع دمشق”، اذ ان النظام السوري في رأيهم، غير قادر على “الحل والربط” في موضوع النازحين، مشيرين ايضا الى ان “لا يحق لاي من الوزراء الإدلاء، من على منابر دولية، بمواقف غير مناقَشة سلفا في مجلس الوزراء، خاصة ان كانت تتعلق بتطورات في دول اخرى تشهد نزاعات كسوريا، فإن المصادر تقول ان رفعَ الرئيس عون الجلسة حال دون توسّع دائرة الخلاف في مجلس الوزراء. فالحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المستقبل معروف موقفهما من التعاطي مع دمشق ومن كيفية حل معضلة النزوح…
فهل منعُ النقاش “السياسي” في مجلس الوزراء يُلغي التناقضات بين أطرافه؟ قطعا لا، تتابع المصادر. و”طمرُ” لبنان الرسمي، رأسه في الرمال، لا يمكن ان يكون الحل. وفيما الحكومة تحت الاختبار “الشعبي” اللبناني، وتحت “المجهر” الدولي ايضا، لا بد لـ”قادة” السفينة الوزارية، من تدارك الوضع سريعا، لمحاولة توحيد المفاهيم والخروج بمقاربات واضحة وموحّدة، أكان لسياسة النأي بالنفس او لملف النازحين.
ذلك ان مبدأ “الحياد” يشكّل- تماما كما الاصلاحات المالية والاقتصادية- حجر زاوية في “هيكل” المساعدات الدولية الموعود لبنان بتلقّيها، والتي أقرت العام الماضي في مؤتمر “سيدر”، وتعرّضُ هذا المبدأ لانتهاكات ولهزّات وخضات، لن يكون لمصلحة لبنان.
فهل إرساء تفاهم لبناني – لبناني لا يزال ممكنا الآن، لإنقاذ “سفينتي” مجلس الوزراء والبلاد، أم ان الاتفاق (الذي أدرك “طبّاخو” الحكومة انه مستحيل)، كان يُفترض ان يحصل قبيل التشكيل، وقد فاتنا القطار؟