اعتبرت صحيفة “الأنباء” الكويتية ان الاشتباك السياسي داخل الحكومة يأتي من خارج السباق المتفق عليه والمحدد بعنوان اقتصادي عريض.. وطرح موضوع النازحين السوريين على طاولة مجلس الوزراء يحصل من خارج جدول الأعمال الذي لا يحوي بنودا ساخنة وحساسة.
الشرارة التي تسببت في اندلاع هذا الاشتباك تمثلت في الزيارة الملتبسة لوزير شؤون النازحين صالح الغريب إلى سورية واللغط الذي أحاط بها، وبدرجة أقل الموقف الذي أعلنه وزير الدفاع إلياس بوصعب في مؤتمر ميونيخ بشأن رفض المنطقة الآمنة في شمال سوريا، لأنها تهدد وحدة وسيادة الدولة السورية، ويمكن استنادا إلى المواقف المعلنة عشية الجلسة الأولى للحكومة بعد نيلها الثقة، القول إن هناك انقساما سياسيا حول موضوع النازحين السوريين يدور بين محورين أساسيين:
1 – المحور الأول يقوده الرئيس ميشال عون الذي عبّر عن موقفه بوضوح تام في لقائه مع نقابة المحررين، مجددا رفض لبنان انتظار الحل السياسي في سورية من أجل إعادة النازحين لأنه أمر غامض وقد عانى لبنان في هذا السياق مع الفلسطينيين الذين لا يزالون ينتظرون الحل السياسي منذ سبعة عقود من الزمن ولا أفق له.
وذكر بالتجربة القبرصية حين استقبل لبنان أعدادا من النازحين القبارصة خلال النزاع الذي دار في العام 1974 في قبرص، لكنهم عادوا فور الإعلان عن وقف إطلاق النار، فيما لا يزال الحل السياسي للأزمة القبرصية غائبا منذ 45 عاما.
وأضاف: «أما القول بأن عودة النازحين السوريين إلى بلدهم غير آمنة، فهو أمر مبالغ فيه.
فقد تمت إعادة 156 ألف نازح من لبنان، ولم يتعرض أي منهم لمضايقات، ولا سبب يدعو لذلك طالما أن المصالحات في سورية تمت مع الذين بقوا وحملوا السلاح، لافتا إلى أن «الذين عادوا بملء إرادتهم حتى اليوم هم من غير المسجلين في دوائر المنظمات الدولية».
واعتبر عون أن «ما قاله وزير الدفاع إلياس بوصعب لجهة رفض قيام الحزام التركي الآمن في شمال سورية، هو كلام منطقي لأن مثل هذا الحزام قد يؤدي إلى التقسيم، وهو أمر من شأنه منع عودة النازحين واللاجئين. وهذا أمر خطير جدا، وعلينا قراءة الأحداث على المدى البعيد وعدم الاكتفاء بمواكبتها أو اللحاق بها وخصوصا في الدول الصغيرة».
وعن زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب لسورية، اعتبر الرئيس عون أن «عدد النازحين السوريين في لبنان يتخطى المليون ونصف المليون نازح، وقد رحب الرئيس بشار الأسد بعودة النازحين جميعا، ونحن في لبنان نعاني من الموضوع، ألا يحق للبنان أن يرتاح من مشكلة ألقيت على عاتقه من دون أن يؤذي بتدبيره هذا أي بلد آخر؟ هذا أمر غير منطقي بتاتا لأنه من مصلحة لبنان إعادة النازحين إلى بلدهم، خصوصا أن الحكومة السورية أبدت كل رغبة في استقبالهم».
واستغرب الرئيس عون «موقف بعض الدول الكبرى التي لا تعمل على إعادة النازحين ولا تريدنا في المقابل أن نعمل لتحقيق هذه العودة».
2 – المحور الثاني يضم بشكل واضح وزراء القوات والاشتراكي الذين سبقتهم إلى الجلسة مواقف صريحة صادرة عن د.سمير جعجع وعن أوساط النائب السابق وليد جنبلاط.
جعجع اعتبر (في حديث إلى «الوكالة المركزية») أن «الإشارتين غير المشجعتين المتمثلتين بزيارة الوزير صالح الغريب لسورية وموقف الوزير إلياس بوصعب في مؤتمر ميونيخ لا يبعثان إلا على القلق إزاء مستقبل العمل الحكومي». ويؤكد أن «عملية غش كبيرة تحصل «عا ضهر» قضية النازحين السوريين».
أما أوساط جنبلاط، فإنها تنطلق من تعيين وزير لشؤون النازحين مؤيد لسورية ودشن عمله الوزاري بزيارة إلى دمشق وتبدي قلقها من «تسليم النازحين إلى بشار الأسد»، ومن البداية غير المشجعة للحكومة فيما يتعلق بمسألة النأي بالنفس والتي زادت الكثيرين اقتناعا بأن موازين القوى في لبنان قد مالت إلى حد كبير لمصلحة الفريق الذي يقوده حزب الله بغطاء كامل من رئيس الجمهورية.. هذه الأوساط لا تكترث بما صدر من توضيحات عن الحريري في الموضوع السوري، وإنما تعتبرها غير كافية وغير مطمئنة وتشي برغبة في عدم الانخراط في اشتباك سياسي في ظرف غير مناسب، وفي عدم الوقوع في مشكلة مع الرئيس عون.
وهذا ما يرجح أكثر ميزان القوى لمصلحة حزب الله في الداخل.
السؤال المطروح: أين يقف الحريري وسط هذا الانقسام حول موضوع سورية والنازحين؟! هل ينحاز إلى جانب جنبلاط وجعجع فيتكرس الانقسام سياسيا بين محورين في مشهد يذكّر بحقبة 8 و14 آذار؟ أم ينحاز إلى موقف رئيس الجمهورية ويصب عنده عمليا؟ أم يقف في منطقة وسطية ويراعي «الموقفين» فينسق ضمنا مع رئيس الجمهورية ويترك له أمر الملف السوري ولا يعترض على زيارات الوزراء ومواقفهم، وينسق ضمنا أيضا مع الحركة الاعتراضية ويتركها تمر في مجلس الوزراء ومن باب «تسجيل موقف»، ولكن من دون أن تؤثر على تضامن الحكومة وزخم الانطلاقة، ومن دون أن يتطور الخلاف إلى انقسام وانتكاسة؟!
مما لا شك فيه أن الحريري يواجه إحراجا في هذه المسألة. فمن جهة لا يمكنه تجاهل الموقف الدولي والعربي الذي يضع الحكومة تحت مراقبة مشددة، وسجل أولى ملاحظاته على خرقين فاضحين لسياسة النأي بالنفس.
ومن جهة ثانية لا يريد الحريري الاصطدام بحليفيه «السياسيين» جنبلاط وجعجع وخسارة حد أدنى من توازن سياسي في الحكومة.
ومن جهة ثالثة، وهذا الأهم حاليا بالنسبة للحريري، فإنه لا يريد وبأي شكل من الأشكال الاصطدام بالرئيس عون والوقوع في خلاف مباشر معه، لأن هذا إن حدث سيطيح الآمال والخطط المعلقة على الحكومة التي يتوقف «استقرارها وإنتاجيتها وديمومتها» على العلاقة بين عون والحريري أكثر من أي شيء آخر.
يبدو أن التفاهمات بين رئيسي الجمهورية والحكومة تشمل أيضا «ملف النازحين السوريين»، فجاء تعيين الوزير صالح الغريب في وزارة شؤون النازحين بموافقة الحريري وعن سابق تصوّر وتصميم.
وجاءت زيارة الغريب الأولى إلى دمشق بإذن من الرئيس عون وبعلم الرئيس الحريري الذي وُضع في أجوائها ولم يقل فيها موقفا لا قبولا ولا رفضا.
والسكوت في مثل هذه الحالات علامات رضا. الحريري لم يقم باستدعاء وزير النازحين للاطلاع منه على الأسباب التي استدعت قيامه بزيارة دمشق قبل انعقاد أولى جلسات الحكومة، وهذه الزيارة تمت بناء على طلب الوزير وتلبية لنصيحة تلقاها من الوزير جبران باسيل للالتفاف على الموجة الوزارية المعترضة ولتعطيل صاعق الزيارة حتى لا ينفجر داخل الحكومة التي ستشهد اليوم ما هو «أكثر من تباين وأقل من اشتباك».