كتب ألان سركيس في “الجمهورية”:
ما يزال هناك متّسعٌ من الوقت حتى 16 آذار، لتتبدّلَ خريطة إنتخابات «الرابطة المارونية» التي تتّجه الى أخذ منحى سياسي، بينما يأمل المسيحيون عموماً، والموارنة خصوصاً أن تكون استحقاقاً يجمع ولا يفرّق.
لا يُنكر أحد من قادة الموارنة، المدنيين والسياسيين، أنّ الساحة المسيحية تعيش تحدياتٍ كبيرة، على رغم إنتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وإجراء إنتخابات نيابية.
وقد تحدّث الرئيس عون من بكركي في عيد الميلاد عن محاولةِ خلقِ أعرافٍ جديدة في الحياة الدستورية، ولحقت ذلك موجةُ طروحات في السرّ والعلن تطال تعديل «إتفاق الطائف» ولا تنتهي بطرح «المثالثة» الذي يقضي على الوجود المسيحي الفاعل.
ووسط كل تلك التحديات، يبدو أنّ انتخاباتِ «الرابطة المارونية» تتجه الى معركة مفتوحة لا يعلم أحدٌ مَن سيكون المنتصر فيها، إلّا إذا نجح سعاة الخير بإبرام التوافق.
في المشهد العام هناك مرشحان لرئاسة «الرابطة» الأول هو النائب السابق نعمة الله أبي نصر المدعوم من «التيار الوطني الحرّ» وتيار «المردة» ويحاول أن يحظى بدعم «القوات» ولم ينجح حتى الساعة، في مواجهة المرشّح غسان خوري الذي لم يستطع التوافق مع أبي نصر على لائحة واحدة.
ويبلغ عدد الهيئة الناخبة في الرابطة نحو 750 ناخباً سدّدوا إشتراكاتهم، لينتخبوا 15 عضواً إضافة الى الرئيس ونائب الرئيس، علماً أنّ المجلس الحالي الذي يرأسه النقيب أنطوان قليموس أتى بتوافق قواتي- عوني وبمباركة بكركي.
رواياتٌ كثيرة تُتناقل حول ما جرى قبل الوصول الى الوضع الحالي، ويشير البعض الى أنّ أبي نصر هو مرشّح رئيس «التيار الوطني الحرّ» الوزير جبران باسيل على رغم قوله إنه مرشّحٌ توافقي. فقد بدأ أبي نصر حملته منذ الخريف الماضي واتّصل بالقوى السياسية الفاعلة في «الرابطة المارونية» تحت عنوان أنه لا يمثل أحداً في السياسة وإنتخابات الرابطة يجب أن لا تكون مسيّسة، وأعطت كل القوى موافقتها على هذا الموضوع.
ويؤكّد هؤلاء أنه تبيّن بعد حين أنّ مَن يدير معركة أبي نصر بشكل فاضح هو الوزير باسيل شخصياً والدليل على ذلك، اتصاله بكل الذين يعارضون أبي نصر والطلب منهم الإنضمام الى لائحته، ولعلّ أبرز هؤلاء هو المرشح غسان خوري الذي تمنى عليه باسيل التفاوض مع أبي نصر ففعل، غير أنّ أبي نصر رفض اقتراح خوري القاضي بإعطائه نيابة الرئاسة و4 أعضاء، كما تمّ وضعُ فيتو على ترشيح كل من الدكتور ايلي مخايل والدكتور رامي الشدياق اللذين يشكّلان أبرز عامودين في فريق عمل خوري».
من جهتها، فإنّ «القوات اللبنانية»، وبعد أن كانت أبلغت أبي نصر عد موافقتها على تسييس الإنتخابات، ودعمها لكل توافق، أعادت النظر بموقفها هذا بعدما لمست تدخّلَ باسيل الواضح، وقد كلفت القيادة الحزبية مستشار الدكتور سمير جعجع للشؤون الكنسية أنطوان مراد متابعة هذا الملف.
وارتكزت إعادة النظر بالموقف القواتي على أنه في حال كانت الإنتخابات مسيّسة، يجب أن يكون لـ«القوات» موقعها داخل التركيبة التوافقية، وقد أبلغ مراد أبي نصر بأنّ «القوات» تطالب بمنصب نائب الرئيس اضافة الى 4 أعضاء في المجلس.
وفي هذه الأثناء، يدرس حزب «الكتائب اللبنانية» كل الخيارات المطروحة، لكنّ الموقف من الموضوع لم يتبلور بعد، ومن المرجّح أن يكون للحزب موقفٌ الأسبوع المقبل.
بكركي
أما على صعيد موقف بكركي، فإنه يُنقل عن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي إستياؤه ممّا يحصل في «الرابطة»، وتعتبر بكركي أنّها لا تلتزم بمقررات البطريركية وتوجّهاتها، وقد أصبحت منبراً يستغلّها بعض المرشحين الوصوليين لأخذ مشروعية من الصرح البطريركي.
وقد حاول الراعي قبل الانتخابات الأخيرة في العام 2016 إفساح المجال أمام كل المرشحين لرئاسة الرابطة لتقديم برامج خطية أمام مجلس المطارنة الموارنة، ففعل المرشحون ذلك وعرضوا برامجهم أمام المطارنة وناقشوها.
وكانت نيّة البطريرك في ذلك الحين الدفع باتّجاه التنافس على أساس برامج وأفكار تُلزم أصحابها بتنفيذها. غير أنّ ذلك لم يتحقق.
وحتى الساعة يُحجم الراعي عن إعطاء أيِّ موعد لأبي نصر أو لآخرين، في حين أنّ كل ما تريده البطريركية هو التوافق تحت عنوان وبرنامج واضح وفاعل.
أبي نصر
وفي هذه الأثناء يواصل أبي نصر تحضيراته لمعركة 16 آذار، وينكبّ على تاليف لائحته التي يصفها الآخرون بأنها طريقة «هيتشكوكية»، ويكشف في حديث لـ«الجمهورية» أنه اختار 12 عضواً على لائحته ويستكمل إختيارَ الأعضاء الثلاثة الباقين إضافة الى نائب الرئيس.
ويردّ على كل الكلام الذي يقال، مشيراً الى أنه تواصل مع جميع المرشّحين من أجل التوافق وقام بواجباته كاملة، لكنّ الأمورَ لم تصل الى خواتيمها السعيدة.
ويشدّد على أنّ الاساس الذي يعمل عليه هو تشكيل لائحة ببرنامج عمل مسيحي واضح، و»عندما نقول مسيحيّاً نعني وطنيّاً».
وعن ترشحه للرابطة بعدما كان نائباً طوال 19 عاماً قضى منها 13 عاماً منضوياً في «تكتل التغيير والإصلاح»، يقول أبي نصر: «نعم عُرضت علي النيابة من العونيين في الدورة الأخيرة ورفضت، وعندما أترشح الى «الرابطة» يعني أنّ نعمة الله لديه برنامج عمل وهناك شيء ما سيقدّمه.
ورداً على مقولة إنه مرشّح باسيل، يجزم أبي نصر: انا مرشّح نعمة الله أبي نصر والكل يعرف كيف كنتُ أعمل قبل العام 2000 وبعدها والآن وأعالج ملفات تخصّ المجتمع المسيحي، وتاريخي يشهد على ذلك.
ويشير أبي نصر الى أن لا مشكلة مع «القوات اللبناتية» وهدفنا لائحة تعمل للمسيحيين لا أن تتحوّل الرابطة متاريسَ للأحزاب والتيارات السياسية لأنّ المصيبة تجمعنا وأنا قريب من الجميع».
ويدعو الى تقارب جميع القوى المسيحية لأنّ خطر الديموغرافيا والجغرافيا موجود.
خوري
من جهته يعمل المرشّح غسان خوري على لائحةٍ تُنافس لائحة أبي نصر بعد فشل مساعي التوافق، ويؤكد لـ«الجمهورية» أنه يعتزم تاليف لائحته وهو مستمر في المعركة حتى النهاية و«الاشخاص الذين يختارهم يحملون الكفاءة اللازمة».
ويكشف خوري أنّ «محاولات التوافق مع أبي نصر لم تنجح، وكل فريق سيؤلف لائحته الخاصة ومعركته هي لخدمة الرابطة».
ويشير الى أنه على تواصل مع الجميع، وانتخابات الرابطة تضمّ نحو 750 شخصاً سدّدوا اشتراكاتهم، ولذلك تختلف عن الانتخابات النيابية العامة التي تشمل قاعدةً مسيحيةً أوسع.
ويوضح أنه على تواصل مع «القوات اللبنانية» وبقية الأفرقاء ومع أعضاء الرابطة، مشيراً الى أنّ «هدفه هو إعادة دور «الرابطة» وتحويلها الى مؤسسة فاعلة تلبّي طموحات المسيحيين».
خيارات «قواتية»
وأمام هذه الصورة التي لم تكتمل معالمُها بعد، لم يحسم الخيار القواتي بعد، إذ يؤكد المستشار أنطوان مراد لـ«الجمهورية» أنه إلتقى أبي نصر مرتين ولم نصل الى توافق، وهو لا يزال ينتظر موقف أبي نصر الحاسم على هذا الصعيد.
ويضيف مراد: «وإن كنا نكنّ كل الإحترام والمحبة لأبي نصر، غير أنّ «التيار الوطني الحرّ» ومهما حاول إخفاء هوية أبي نصر فهي ظاهرة للعيان، فقد جلس في تكتل «الإصلاح والتغيير» مدة 13 عاماً وكان ممثلاً للعونيين، لذلك فكل تلك المحاولات لن تنجح.
ويلفت مراد الى «أننا وإن كنا حريصين على التوافق غير أنّ ذلك لن يدفعنا الى القبول بإلغائنا؛ فغالبية الأعضاء الذين اختارهم أبي نصر على لائحته يدورون في معظمهم في فلك التيار، ونحن طالبنا بنيابة الرئاسة و4 أعضاء، لكن إذا حصل التوافق فلا تهمّ الأسماء، وعندها نختار أسماء مرشحينا استناداً الى منطق التوافق».
ويكشف مراد أنّ كل الإحتمالات مفتوحة أمام «القوات»، فنحن متجاوبون مع أيّ مبادرة تقوم بها بكركي، كما أننا قد نذهب الى دعم اللائحة المنافِسة لأبي نصر، وفي أسوأ الحالات قد نقاطع، لكنّ الأساس لنا هو إعادة دور الرابطة المارونية وتفعيله.
«التيار»
في المقابل، لا يريد «التيار الوطني الحرّ» إعطاءَ صبغة حزبية للمعركة، ويردّ عضو المجلس التنفيذي في «الرابطة المارونية» انطوان قسطنطين عبر «الجمهورية» على كل ما يقال، ويؤكّد أنّ أبي نصر ليس مرشحاً حزبياً وهو يملك مشروعية تاريخية في «الرابطة» وموجود منذ السبعينات، وتواصل معنا مثلما تواصل مع الجميع».
ويشدّد قسطنطين الى «أننا نسعى الى التوافق اليوم وغداً وأمس، ونريد أن تضمّ اللائحة الجميع ومن ضمنهم «القوات اللبنانية» وخوري»، لافتاً الى أنّ «كل الإتهامات التي تطلق بحقّ باسيل وبأنه يدير معركة أبي نصر غير صحيحة ومجحفة».
في المقابل، يشير قسطنطين الى أنّ «إنجازات الرابطة الحالية مفخرة، فقد عمل الرئيس أنطوان قليموس والأعضاء على ملفات كبيرة وكثيرة ونجحنا، والرابطة أوّل مَن قاربت موضوع النزوح السوري بمسؤولية وطنية، كما أنّ الجميع يشهد على آدائها».
«المردة»
وعلى عكس الاتّجاه السياسي السائد على الساحة المسيحية، والتنافس الحاد والخصومة بين «التيار الوطني الحر» وتيار «المردة» ، فقد نجحت الإنتخابات في جمعهما عبر المرشح القريب من «المردة» العميد إبراهيم جبّور الذي سيكون على لائحة أبي نصر، بعدما أسرّ أبي نصر الى فرنجيه أنه مرشحٌ توافقي وأنه أخذ موافقة الجميع على ترشحه.
ويكشف جبور لـ«الجمهورية» كيف حصل هذا الأمر ويقول: «زار أبي نصر فخامة الرئيس ميشال عون في بعبدا، من ثمّ إلتقى بعدها رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، وبعد لقاء دام نحو 45 دقيقة، إتّصل فرنجية بي، وطلب مني أن أتعاون مع أبي نصر وذلك نظراً لنشاطي الدائم في الرابطة».
ويؤكد جبور أنّ التعاون قائم، «وأنا صحيح أني قريبٌ جداً من فرنجية، لكنني أمثل كل النسيج الزغرتاوي وقريب من الجميع، كما لي صداقات مع المحيط في طرابلس والضنية»، وهو يدعو الى التوافق لكي يشعر كل فريق أنه ممثل. فهل سيبقى مرشح المردة على لائحة أبي نصر بعد إنعدام فرص التوافق؟