قال سياسي طرابلسي محنك لـ”الحياة” أنه بصرف النظر عن الحسابات الانتخابية والتحالفات، فإن معركة المقعد السني الخامس في طرابلس هي معركة خيار سياسي بالدرجة الأولى في المرحلة التي تمر بها البلاد. وهي انتخابات حول التوجه السياسي الذي يمثله الحريري وطنيا وعربيا مقابل التوجه الثاني الذي تبلور بـ”اللقاء التشاوري” للنواب السنة الستة حلفاء “حزب الله” وسورية في وجه الحريرية السياسية. والمرشح الذي كان ينافس النائبة ديما جمالي ينتمي إلى هذا التوجه الذي يوالي “محور الممانعة” على الصعيد الإقليمي.
ويضيف السياسي إياه أن أمام الناخب الطرابلسي في الانتخابات الفرعية الخيار بين لونين، وليس بين ألوان عدة، فإما أسود وإما أبيض، وهذا يعني أن التصويت لجمالي، بغض النظر عن المرشحين وأسمائهم، هو تصويت للحريري، فيما التصويت لناجي أو لأي مرشح يدعمه الفريق الذي سبق أن ترشح ناجي في لائحته، يعني دعم التوجه السياسي الذي يحالف “حزب الله” والقيادة السورية، كما ظهر من خلال الإصرار على تمثيل “اللقاء التشاوري” في الحكومة من قبل أصحاب هذا التوجه الذي يريد تغيير ميزان القوى على الساحة السنية لمصلحته، وإضعاف أرجحية الحريري فيها على الصعيد اللبناني عموما. وهذا يعني أيضا أن الخيار عند الناخبين لن يكون بين المتنافسين وبين خيار ثالث حيادي أو وسطي.
ويرى السياسي الطرابلسي نفسه أن التباينات حيال مواصلة موالاة الحريرية السياسية في المرحلة الماضية قد لا تبقى هي ذاتها في المعركة الفرعية، في وقت يستشعر الطرابلسيون أنه بموازاة السعي من قبل أنصار المحور الإقليمي الإيراني السوري، لتطويع الحريري وإضعافه، هناك محاولة لإفادة بعض من هم في السلطة من الظروف من أجل استهداف طرابلس كثقل سني وعروبي تاريخي عن طريق مد النفوذ إليها.
ويتابع: وقوف ميقاتي خلال الأشهر التسعة الماضية إلى جانب الحريري إزاء محاولة الافتئات على صلاحياته في تأليف الحكومة، إن كان في إطار اجتماعات رؤساء الحكومة السابقين، أو في مواقفه المنفردة، من الصعب تعديله في الانتخاب الفرعي. فميقاتي مقتنع أن الحريري رجل المرحلة في ظل الغطاء العربي والدولي الذي يتمتع به، وفي وقت ما زال يتمتع بالأرجحية على الصعيد السني وعلى مستوى لبنان ككل. ويشير إلى أن ميقاتي بدأ بالتقارب مع الحريري الذي لاقاه في منتصف الطريق، منذ أن رشحه لرئاسة الحكومة، وبقي مساندا له حتى حصول حكومته على الثقة، وهو بالتالي لن يخوض معركة انتخابية تأخذ هذا الطابع السياسي، ضده، على رغم أن هناك فرقاء سعوا إلى جعله فزاعة للحريري في أثناء الضغوط التي مورست على الأخير في مرحلة تشكيل الحكومة، أو لجعله بديلا عنه في الرئاسة الثالثة.
ويعتبر السياسي الطرابلسي أن ميقاتي بثقله الانتخابي وبحجم المؤسسات والخدمات التي يقدمها في المدينة، يلعب دورا في ترجيح كفة جمالي.
ويلفت إلى أن خصوم الحريري في الانتخابات الماضية، ستكون أصواتهم معرضة للنقصان وليس للزيادة، مثل اللواء ريفي، في ظل صعوبة تكرار ما سبق أن قيل عن دعم عربي لتوجهه في ذلك الحين ووقوفه بوجه زعيم “المستقبل”، لأسباب تتعلق بسياسة “حزب الله” ودور الحزب في السلطة السياسية. ويرجح السياسي الطرابلسي أن يعيد ريفي ترتيب أولوياته بحيث لا يغامر في الوقوف ضد الحريري هذه المرة.
أما بالنسبة إلى النائب كرامي، فإن السياسي الطرابلسي يرى أن الأصوات التي حصدتها اللائحة التي كان في عدادها في الانتخابات العامة لا تعني أن باستطاعته حصدها في الفرعية. ويلفت إلى أن كرامي كان حريصا في الحملة الانتخابية على نفي أنه في عداد قوى 8 آذار، أو في محور الممانعة، لكنه بعد الانتخابات أخذ يعقد اللقاءات مع “حزب الله” وينسق خطواته معه في إطار “اللقاء التشاوري” وشكل مع “جمعية المشاريع الإسلامية” (الأحباش) رأس الحربة في وجه الحريري. ولهذا التحول تأثيره في الرأي العام الطرابلسي، في وقت يزداد التوجه القائم على تجريد مجلس الوزراء من صلاحياته بالممارسة، تارة بحجة إعادة النازحين إلى سورية وأخرى باسم المصلحة العليا اللبنانية.
وينتهي السياسي الطرابلسي إلى القول أن الموجب السياسي لتعاون ميقاتي مع الحريري لا يعني أن على “المستقبل” الإطمئنان إلى نتيجة المعركة الانتخابية، بحجة التقاء الفريقين الأقويين، لأن حماس الناخبين يخف عادة في الانتخابات الفرعية قياسا إلى الانتخابات العامة. وهذا يفترض بالماكينة الانتخابية في “المستقبل” ونوابه السعي إلى تفادي أخطاء التعبئة التي ظهرت في الانتخابات السابقة، وبماكينة ميقاتي أن تستنفر لمصلحة الخيار السياسي الذي سيأخذه، وإلا ظهر الإثنان بمظهر الضعف كما حصل عند تحالفهما في الانتخابات البلدية عام 2016.
ويدعو السياسي الطرابلسي إلى عدم التقليل من حجم تدخلات أجهزة الاستخبارات السورية والأجهزة الأمنية اللبنانية المتنوعة في المعركة بناء لتوجيهات من هنا ومن هناك.