كتب رضوان مرتضى في “الاخبار”:
من عجائب لبنان أن تتدخل قوى سياسية لعقد مصالحة بين ضابط ورئيسه. هكذا هي الحال في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي، التي يبدو مجلس قيادتها مرآة لحالة الانقسام السياسي والطائفي في البلاد، لكن بصورة مضاعفة. تتغيّر العهود ومجلس النواب والحكومات ووزراء الداخلية والمديرون العامون وأعضاء مجلس قيادة المديرية، ويبقى مجلس القيادة عاجزاً عن الاتفاق على إجراء مناقلات عامة للضباط ـــ للتذكير، فإن آخر مناقلات عامة (تشكيلات) شهدتها المديرية جرت في عام 2004، في عهد المدير العام الأسبق اللواء علي الحاج! ـــ. ما يدعو إلى العجب، وإلى الاحتفال ربما، هو نجاح الوساطات في مصالحة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان مع المفتّش العام لقوى الأمن الداخلي العميد جورج كلّاس. دام الخلاف المستعر بين الرجلين أشهراً، تطوّر إلى انقسام في مجلس القيادة، آخذاً منحىً طائفياً بين الضباط المسلمين والضباط المسيحيين. ووصل الأمر إلى مقاطعة الضباط الخمسة المسيحيين لمجلس قيادة قوى الأمن الداخلي، جرّاء عدم الاتفاق على إجراء مناقلات عامة للضباط، فضلاً عن المناصفة في المراكز المهمة بين المسلمين والمسيحيين، واتهام المدير العام بالتفرّد بالقرارات. آخر فصول الخلاف كانت عدم امتثال العميد كلّاس لطلب عثمان الحضور يوم التسلم والتسليم في وزارة الداخلية بين الوزير نهاد المشنوق والوزيرة ريا الحسن. وكان ذلك امتداداً للخلاف الذي بدأ بسبب «أمر الفصل» (تشكيلات مؤقتة لضباط) الذي اتخذه اللواء عثمان، من دون الرجوع إلى مجلس القيادة، تحت ذريعة ما اعتبره «حفاظاً على المرفق العام». وأعقب ذلك قرارات عُدّت كيدية من قبل عثمان، وتحديداً بعدما عدّل التعليمات العسكرية ليحرم كلّاس من أن يكون «مديراً عاماً بالوكالة»، ومن المخصصات المالية المتأتية من هذا المنصب.
بعد كل ما سبق، وبعد أشهر من المفاوضات والوعود بالحلحلة التي لم يتحقق منها شيء، أُنجزت المصالحة ليل الخميس الفائت عقب زيارة عثمان إلى المركز الرئيسي للتيار الوطني الحر في ميرنا الشالوحي، في موعد متّفق عليه ومحدد مسبقاً لتذليل العقبات وفضّ الخلاف القائم، حيث التقى وزير الخارجية جبران باسيل. جرى اللقاء بحضور النائب الشمالي أسعد درغام الذي أوكل إليه باسيل متابعة الملفات الأمنية في التيار الوطني الحر، والذي رفض التصريح بشأن ما جرى التزاماً بالاتفاق المعقود. وعلمت «الأخبار» أن اللقاء كان ودياً، أبدى فيه باسيل الحرص على دور مؤسسة قوى الأمن والتأكيد أن عثمان قائد المديرية الذي يخضع له جميع قادة الوحدات، من دون إلغاء آرائهم. وإذ تحدثت مصادر عن أن الاجتماع اقتصر على الاتفاق على مرحلة إيجابية، ذكرت مصادر أخرى أنه جرى الاتفاق على إنجاز التعيينات وإجراء «تشكيلات» شاملة للضباط. أضافت المصادر أنه حصل اتفاق مبدئي على المناصفة، لكن تُرِكت التفاصيل لتناقش في مجلس القيادة الذي سيجتمع قريباً لهذه الغاية. وأشارت المصادر إلى أنه بعد الانتهاء من الاجتماع مع باسيل، قصد عثمان ودرغام المديرية حيث عُقد اجتماع ثلاثي مع العميد كلاس تخلله «عتاب ومصارحة ثم مصالحة انتهت بتقبيل أحدهما الآخر»، علماً بأنه سبق هذا الاجتماع اجتماعٌ عقد الإثنين الماضي في المديرية بين كلاس وعثمان، لكنه فشل.