IMLebanon

«حكومة العمل» تحت وطأة حرب الصلاحيات

 

يتردد في صالونات ضيّقة ان مرجعاً كبيراً، ذا وزن سياسي، يعتد به، لجهة التبصّر السياسي، والحنكة، وفك طلاسم السياسة اللبنانية، ينتابه، قبل أن تنال الحكومة الثقة، شعور بالقلق من الوضع الحكومي، وعلى الحكومة، من دون أن يُنّبَس عنه بنت شفة، عن مردّ هذا الانتياب، علاماته ومؤشراته، وارتداداته..

تحت وطأة هذه الهواجس، حملت وقائع ونتائج الجلسة الأولى لمجلس الوزراء، ما يُمكن وصفه «بجرس الإنذار»: الوضع ليس في أفضل حالاته، ونقاشات الساعات الأربع والنصف التي استغرقتها الجلسة، لم تتطرق إلى التعيينات، بما في ذلك تعيين الأمين العام لمجلس الوزراء، حيث ما يزال الأمين العام المحال إلى التقاعد فؤاد فليفل، يمارس هذا الدور، من موقع كونه مستشاراً لرئيس مجلس الوزراء سعد الحريري.

تمثل جرس الإنذار، في ضوء وقائع النقاش، وما سمعه الوزراء من رئيس الدولة من أنه المؤتمن على الدستور، وهو من يُقرّر سياسة الدولة، وهو أقسم عليه، لجهة احترام الدستور واستقلال الوطن وسلامة أراضيه.. في النص التالي المادة 50/د: «أحلف بالله العظيم أني احترم دستور الأمة اللبنانية وقوانينها وأحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه».

أفسح الرئيس المجال امام الوزراء للإدلاء بدلوهم إزاء مسألة حيوية تتعلق «بالوطن اللبناني» الذي يرزح تحت عبء أكثر من مليون ومائتي نازح سوري، جاءوا إلى لبنان، بصورة شرعية، أو غير شرعية هرباً، كما يقولون من «الحرب الدائرة في سوريا» منذ العام 2011، وحتى اليوم، والتي تحمل البلد أعباء مالية، لجهة نفقات الكهرباء والصحة والمياه والتعليم وصولاً إلى فرص العمل، في ظل آليات دولية للتعامل مع ظاهرة التهجير والنزوح، التي تحوّلت إلى ظاهرة عالمية، الحصة الأكبر فيها للعرب، سواء من اللجوء الفلسطيني، إلى السوري، والعراقي واليمني، وحتى الصومالي، وما شاكل.

وبنيت النقاشات على الزيارة العلنية والرسمية التي قام بها وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، الذي اختير من حصة الأمير الدرزي النائب طلال أرسلان.. إلى سوريا للتباحث في تصوُّر الدولة السورية لعودة نازحيها، مع الإشارة إلى ان أعداد النازحين الذين عادوا عبر ترتيبات حزب الله، والتيار الوطني الحر، ومن خلال جهود ووساطة الأمن العام اللبناني، ومديره العام اللواء عباس إبراهيم، لا تتجاوز الخمسة عشر ألفاً، قيل ان ثلثهم أو نصفهم عاد إلى لبنان بصورة غير شرعية..

انطلق النقاش من ان الخطوة الرسمية على مستوى وزير تحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء أو تكليف منه، وهذه وجهة نظر وزراء 14 آذار، (المستقبل، الاشتراكي، القوات اللبنانية)، وان شكّل وزراء «القوات» رأس الحربة في الهجوم، والأخذ والرد وحتى مع الرئيس عون نفسه.

بعد تعليق الجلسة، برفعها بقوة موقف رئيس الجمهورية، ذهب فريق «القوات» إلى تنظيرة من نوع جديد، تقول ان عودة النازحين يجب ان تحصل، ولا خلاف في هذا الأمر، لكن الخلاف يتعلق بوجوب ألاّ تؤدي الزيارة، أو الاتصال عبر «القنوات الرسمية» إلى «تعويم نظام الرئيس بشار الاسد»… وكأن بزيارة وزير من هنا ووزير من هناك، يتعوَّم النظام (بحجة ان هذا النظام قاتل شعبه) ونسي الذين يتكلمون بلغة من هذا النوع، أنهم جاءوا من الحرب، التي دمرت بيروت والصيغة، والاقتصاد وفتحت الأبواب للاحتلال الإسرائيلي، والتدخلات العسكرية المسلحة، التي تواجدت على الأرض اللبنانية، وكان آخرها القوات العربية السورية، التي خرجت في آذار من العام 2005، غداة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

المسألة في الحروب، وإنهاء الحروب، والمفاوضات تتعدّى التاريخ والذاكرة، فلا يرى الأفراد والجماعات، سوى «القشة» في عيون الآخرين، ينسون تاريخهم «الشيطاني» أو الإجرامي، ويصورون أنفسهم كأنهم ملائكة، لا تحمل سوى «المن والسلوى» والترياق، ولو من غير العراق.. لكن المسألة ليست هنا، المسألة ذات صلة بالصلاحيات، ولنقل أين صلاحيات الرئيس السوري، سواء أكان قوياً، أو ضيفاً، وأين صلاحيات الرئيس الأول، سواء أكان شاباً، فتياً، أم ستينياً، اختبر الحكم أباً عن جدّ؟

ثم ماذا عن مسألة القرار الرسمي للدولة، وكيفية صياغته والتعبير عنه..

على مستوى أوّل، تتطلب الإجابات الممكنة عن هذه الأسئلة المصيرية، العودة إلى النصوص نفسها:

فبالنسبة لرئيس الجمهورية، يُمكن قراءة النصوص التالية: قسم اليمين، وفقا للمادة 50/د، النص الكامل للفقرة الأولى من المادة 49: رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدة سلامة أراضيه وفقاً لاحكام الدستور، يرئس المجلس الأعلى للدفاع، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء».

يستفاد من نصّ المادة ان «القوات المسلحة» (الجيش + قوى الأمن + الأمن العام + أمن الدولة، وسائر التشكيلات العسكرية) تخضع لسلطة مجلس الوزراء.. فقائدها (أي رئيس الجمهورية) الذي هو رمز وحدة الوطن، يخضع بقراراته لسلطة مجلس الوزراء.. فالسلطة العليا هي مجلس الوزراء، ووحدة الوطن محمية بسلطة مجلس الوزراء..

النص الثالث، يتعلق بكامل المادة 52: يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وابرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ولا تصبح مبرمة إلّا بعد موافقة مجلس الوزراء، وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة..

في نطاق هذه النصوص، ينظر «الدستوريون» واللادستوريون لصلاحيات الرئيس في تكليف وزير في مجلس الوزراء الذهاب إلى سوريا للتباحث، وليس التفاوض، حول آلية إعادة النازحين السوريين.

في نطاق نصوص دستورية أخرى، يُمكن التوقف عند نصين من المادة 64:

1- رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة، يمثلها ويتكلم باسمها ويعتبر مسؤولاً عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء.

2 – يتابع أعمال الإدارات والمؤسسات العامة وينسق بين الوزراء، ويعطي التوجهات العامة لضمان سير العمل..

بين صلاحيات الرئيسين تبرز صلاحية السياسة العامة، التي «يضعها مجلس الوزراء»..

في ما خص النازحين، تضمن البيان الوزاري نصاً واضحاً لجهة العودة الآمنة لهؤلاء إلى بلادهم.. هذه هي السياسة العامة، التي وضعها مجلس الوزراء.. والمسؤول عن تنفيذها رئيس مجلس الوزراء..

وهنا أسئلة:

1 – من يكلف الوزير الذهاب إلى سوريا رسمياً، الرئيس سعد الحريري أم الرئيس ميشال عون؟

المعلومات تتحدث عن ان الوزير صالح ذهب بتكليف من رئيس الجمهورية، ورئيس الحكومة لم يكن على علم، بل على إطلاع على النية فقط!

2 – هل هذا التكليف يحتاج إلى قرار واضح تتخذه الحكومة في جلسة من جلسات المجلس؟..

ما حدث لم يخضع لهذه الوجهة. سبق الوزير جلسة مجلس الوزراء..

3- الزيارة تنطوي تحت بند «السياسة العامة» أم القسم الدستوري أم المفاوضة مع الدول، وإبرام المعاهدات؟

4- وهل كان على رئيس الجمهورية ان يطلع رئيس الحكومة على زيارة الوزير أم العكس؟

لا تتسع المساحة لمعالجة الأسئلة.. لكن العرض يكشف عن أزمة صلاحيات من النصوص إلى الممارسة، فالنفوس، وهنا مكمن الداء.. أما الدواء، فمسألة تخضع لمضاعفات الحرب في الجسم السوري؟