من قاعدتَي ان “سوريا باتت في سوريا” وأن “العرب يتّجهون كلّهم نحو اعادة وصل ما انقطع بينهم وبين دمشق في السنوات الماضية”، ينطلق فريق من اللبنانيين للمطالبة بفتح قنوات التنسيق بين بيروت والشام وتفعيلها في الفترة المقبلة، خاصةً وأن للبنان – في رأيهم – مصلحة في هذا التعاون، أكان على مستوى حل ملف النازحين أو على الصعيد التجاري والاقتصادي.
غير ان مصادر سياسية سيادية تعتبر، عبر “المركزية”، ان ثمة خلطا متعمّدا او غير متعمّد بين مسألتي التطبيع مع دمشق وملف النزوح، اللتين يجب ان تُفصلا عن بعضهما البعض. ففيما الحركة “شغّالة” على اكثر من خط سياسي وأمني منذ سنوات لمتابعة قضية “العودة”، ولا اعتراض من اي من الاطراف على ذلك، تقول المصادر ان “التعاطي مع سوريا يجب ان يتوقّف عند هذا الحد، في حين نرى اليوم ان جهات سياسية تدفع الى توسيعه وتوطيده، ليس فقط عبر زيارات وزارية الى سوريا، بل برفع لواء المطالبة بإعادة دمشق الى حضن الجامعة العربية ايضا”!
لكن “الخدمات” التي يتبرّع بعض المسؤولين لتقديمها الى دمشق، هل قابلتها الاخيرة، مرّة، بحسن النية نفسها؟ على العكس، تجيب المصادر.
فهي منذ خروجها من لبنان عام 2005، لا تزال تتصرف وكأن لبنان احدى المقاطعات الخاضعة لها، ولم تصدر من النظام السوري يوما اي اشارة تدل الى اعترافه بلبنان كدولة مستقلة سيّدة يجب التعاطي معها بندّيّة ووفق الاصول والاعراف التي تحكم العلاقات بين الدول. فعلى صعيد التبادل الديبلوماسي بين لبنان وسوريا الذي أقرّته اول قمة لبنانية – سورية عقدت في 13/8/2008 غداة الانسحاب السوري من لبنان، لم تتعامل دمشق مرّة مع سفير لبنان فيها، ميشال الخوري، وفق الاعراف، بل همّشته ولم يستقبله رئيسها بشار الاسد يوما، الذي في المقابل، دفع الى إبقاء المجلس الاعلى اللبناني السوري حيًّا (رغم انه لم يجتمع مرة منذ إنشائه)، وهو يسعى الى تعويمه وتفعيله اليوم، بما يعكس النظرة “الفوقية” التي ينظر فيها الاسد الى لبنان، الذي في رأيه “ما بتحرز” ان نؤسس علاقة “ديبلوماسية” جدّية معه!
الا ان غياب اي اعتبار لبيروت في ميزان النظام السوري، يتجلّى ايضا من خلال عدم تعاونه مع جهود ترسيم الحدود بين البلدين. ففي القمة نفسها، اتفق الرئيسان ميشال سليمان آنذاك وبشار الاسد على استئناف اعمال اللجنة المشتركة لتحديد وترسيم الحدود اللبنانية – السورية، الا ان دمشق عمدت الى تمييع الموضوع ولم تبد، منذ ذلك التاريخ، اي استعداد او رغبة بالتعاون للترسيم، فلبنان جزء منها و”لا معنى او حاجة للحدود”!
الى هذه النظرة “الدونية”، تضاف جملة ممارسات سورية سُجّلت في السنوات الماضية، دلت الى حقيقة ما يضمره النظام للبنان. فتفجير مسجدي التقوى والسلام في طرابلس الذي اودى بحياة العشرات وجرح المئات، حمل توقيع الاستخبارات السورية (وفق التحقيقات القضائية)، ومخطط ميشال سماحة – علي المملوك التدميري لتنفيذ اغتيالات وتفجيرات وزرع الفتنة في لبنان، أيضا.
وبعد، تتابع المصادر، وإذا غضضنا الطرف عن تصنيف النظام رئيس حكومة لبنان وعددا من السياسيين اللبنانيين المعارضين له إرهابيين، هل يمكن القول إن خيار تفعيل العلاقات مع دمشق منطقي وحكيم، وإن حمل “مشعل” الدفاع عنها عربيا ودوليا، في مكانه؟ وهل يصّح ان تقتدي بيروت – التي عانت ما عانته من نظام الأسد – بدول عربية اخرى لا تعاني مشكلات معها، لتطبيع العلاقات مع دمشق؟ وهل يصح ايضا اعتبار ان “سوريا باتت فعلا في سوريا”؟