Site icon IMLebanon

ما حدود التقارب بين “القوات” و”الحزب”؟

كتب طوني عيسى في “الجمهورية”:

أرسل الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، أخيراً، إشارة جديدة إلى استعداد “الحزب” للتلاقي مع “الذين لا نتفق معهم في الخط السياسي”، لمواجهة الفساد. وفَهِم الجميع أنّ المقصود هنا، في الدرجة الأولى، هو “القوات اللبنانية”. فهل من الواقعي أن يحصل هذا التلاقي؟ وإلى أي حدّ؟ وحول أي ملفات؟

الأرجح أنّ رسائل “الحزب” إيجاباً في اتجاه “القوات” هي في الواقع رسائل سلبية تستهدف ثنائي التسوية التي أُبرمت معه في 2016، وهما: حليف “الحزب” أي “التيار الوطني الحرّ”، و”حليف الحليف” أي تيار “المستقبل”.

أراد “الحزب” أن تكون تلك الصفقة مقايضة مصلحية دقيقة: “أُعطيكم هامش التوسُّع في المؤسسات والإدارات والمشاريع، وتعطوني هامش الحراك في مسائل الأمن والاستراتيجيا”.

ولكن، يبدو أنّ “الحزب” وجد نفسه أمام معطيات جديدة، في ضوء العقوبات والضغوط الأميركية. فمن جهة هو يخشى أن يستخدم “المستقبل” و”التيار” هذا الهامش، بدعم غربي أو عربي، ليمسّ بمصالحه. ومن جهة أخرى، هو يريد تعويض الخسائر التي يمكن أن تلحق به إقليمياً، ويسعى إلى التغطية بالدولة ومزيد من النفوذ داخل المؤسسات والإدارة.

حتى اليوم، كانت الشراكة الشيعية داخل المؤسسات متروكة خصوصاً لحركة “أمل”. لكن “الحزب” لم يعد مكتفياً بهذه الصيغة، وقرَّر “النزول إلى الأرض”. والبداية كانت بإصراره على الإمساك بوزارة الصحة، الخدماتية بامتياز والتي تحظى بموازنة مُهمّة.

إضافة إلى ذلك، يُقال إنّ “الحزب” يريد بعد اليوم أن يحظى بالدعم المالي المتوافر داخل مؤسسات الدولة، له ولمحازبيه وأنصاره والقواعد الشعبية الشيعية، ليعوِّض ما يخسره نتيجة تراجع التمويل الإيراني بسبب العقوبات، وتحسباً لظروف يصبح فيها إيصال الدعم الإيراني إلى لبنان أكثر صعوبة.

فطهران تتعرَّض لضغط أميركي متزايد. وهناك ملامح تعبٍ إيراني سياسي واقتصادي من هذه الضغوط. ولم ينفع دور “الوسيط” الذي يضطلع به الأوروبيون في تأمين حماية لطهران. وجاء اتجاه بريطانيا إلى فرض عقوبات على “حزب الله” ليريح إدارة الرئيس دونالد ترامب.

كان “الحزب” يحتمي بالدولة. لكنه اليوم أضاف إلى الحماية عامل الاستفادة من وجوده في الدولة والمؤسسات ليؤمِّن الخدمات لقواعده الشعبية، إذا ما تراجع الدعم الإيراني تحت وطأة العقوبات. ولذلك، يبدو “الحزب” راغباً في “تقليم أظافر” ثنائي التسوية، المسيحي والسنّي، الذي تمادى في توسيع هامش مناورته داخلياً إلى حدّ التضييق على مصالح “الحزب” نفسه.

إذاً، عندما يقوم “حزب الله” بمغازلة “القوات”، إنما يلوِّح لحليفه “التيار” بأنه قادر على فتح الباب لخصمه المسيحي عند الحاجة. وفي شكل معاكس، يلوِّح “الحزب” لخصمه “المستقبل” بإنه قادر على استمالة حليفه المسيحي داخل مجلس الوزراء، ويخرق التماسك بين قوى 14 آذار في ملفات معيّنة.

“القوات”، من جهتها، دأبت على إرسال الإشارات الإيجابية إلى “الحزب”: خلال الانتخابات النيابية وبعدها، وخلال تأليف الحكومة وفي مناقشات الثقة. لكن هذه الإشارات بقيت أقرب إلى المجاملات واللياقات الاجتماعية، ولم تحمِل أبعاداً سياسية. وهي ليست صالحة لتأسيس حوارٍ بين الطرفين حول المسائل الساخنة.

الذين يسمعون ما يقولوه كوادر “الحزب” عن “القوات” يعتقدون أن لا مجال لأي تقارب بينهما. فبالنسبة إليهم، “القوات” هي أقصى الخصوم في الخيار الاستراتيجي. وإذا كان الرئيس سعد الحريري، في حكومته السابقة، قد سار في التسوية وفق ما يريد “حزب الله”، ما تسبَّب بأزمة 4 تشرين الثاني 2017، فإنّ “القوات” اصطفَّت في الجبهة التي ضغطت على الحريري لكي يتشدَّد.

وفي عبارة أخرى، “القوات” هي “رأس الحربة” داخل الحكومة رفضاً لنهج 8 آذار، فيما الحريري يساير، وجنبلاط يَفْصل بين مراعاة “الحزب” ومعاداة دمشق. ومع حرص “القوات” على بقائها داخل التسوية، فإنها لم تبدّل خطابها السياسي.

إذاً، في تقدير المتابعين، يبدو صعباً جداً أن ينشأ تقارب سياسي حقيقي بين “الحزب” و”القوات”، لأنّ أياً منهما لا يُظهِر رغبة في الخروج من الاصطفاف السياسي الذي ينخرط فيه. وتالياً، ليس متوقعاً أن ينشأ بينهما “تفاهم مار مخايل” “قواتي”. وعلى الأرجح، ستكون هناك تقاطعات مصلحية محدَّدة بينهما، حول ملفات غير سياسية. وهذا ما قصده السيد نصرالله، وما تعتقده الأوساط القريبة من “القوات” أيضاً.

حتى في ملف الفساد، لا تبدي هذه الأوساط تفاؤلاً بحصول تعاون شامل بين “القوات” و”الحزب”، إذ تسأل: “كيف يكون “حزب الله” ضد الفساد وهو يرعى عمليات التهريب للبضائع عبر المرافئ، ما يحرم الدولة أموالاً طائلة ويضرب التنافس العادل بين مؤسسات القطاع الخاص؟ وكيف يعلن التصدّي للفساد، فيما بعض مناطقه يسرح فيها مرتكبو المخالفات على أنواعها ويمرحون؟ وتضيف: “يمكن أن تلتقي “القوات” مع “الحزب” في محاربة الفساد داخل المؤسسات إذا أظهرَ جدّية في ذلك، ولكن “عَ القِطعة”، أي يتمّ التعاون في كل ملفٍّ على حدة. وهناك جهدٌ مطلوب من “الحزب”، خارج المؤسسات، لإثبات الجدّية وإكمال المشهد.

ثمة مَن يعتقد أن “القوات” ترغب في فتح صفحة من التعاون السياسي الداخلي مع “الحزب”، الطرف الشيعي الأقوى. ولكن، واقعياً، لا يبدو أي من الطرفين مستعداً للتعاون العميق مع الآخر. وسيكون الأمر أكثر صعوبة إذا ارتفعت حرارة المواجهة على الساحة اللبنانية بين إيران وخصومها الإقليميين والدوليين. والأرجح، سيقتصر التقاطع بينهما على ملفات غير السياسية، حيث يريدان توجيه الرسائل إلى أطرافٍ أخرى. وخارج ذلك، الحرب مستمرة.