صحيح ان الجيش اللبناني دحر الارهاب وأربابه في معركة فجر الجرود وأعاد ما تبقى من مقاتليه الى الداخل السوري، مجنبا لبنان خطر مخططاتهم الجهنمية، لكن الصحيح ايضا ان الخطر يبقى جاثما ولو بنسبة ضئيلة الى حين اضمحلال التنظيم وزواله. ذلك ان استمرار وجود بعض عناصر التنظيم في جيوب جغرافية على الحدود السورية – العراقية يجعل امكان تسللهم الى احدى دول الجوار السوري قائما، ولبنان هو الاكثر جذبا لهؤلاء ما دامت حدوده غير مضبوطة بالكامل في حين ان حدود سائر الدول من تركيا الى الاردن واسرائيل غير ممكن تجاوزها، كما تفيد مصادر مطلعة على الملف “المركزية”.
ومع ان مصادر امنية لبنانية تؤكد، لـ”المركزية”، ان اجهزة الامن اللبنانية، وتحديدا المؤسسة العسكرية، اتخذت ما يلزم من اجراءات لضبط الحدود لاسيما الشمالية منها، كاشفةً انها ارسلت في وقت سابق تعزيزات الى المنطقة خشية تسلل ارهابيي “داعش” في ضوء ما تردد عن معركة في ادلب.
وتنقل اوساط سياسية مطلعة عن مصادر امنية فرنسية انها وجهت الى الجهات اللبنانية المعنية رسائل تحذير من مغبة فرار بعض الارهابيين من الجنسيات الاوروبية، وخصوصا من الفرنسيين الذين يناهز عددهم الثلاثمئة، يضاف اليهم نحو 150 من المغاربة المقيمين في فرنسا او ممن يحملون الجنسية الفرنسية، بطرق معينة الى لبنان المنفذ الوحيد المتوافر امامهم للعبور منه الى المتوسط والعودة الى فرنسا التي تتجنب هذا الخيار، بحسب المصادر.
وقد حضر الملف بكل تشعباته في القمة الفرنسية – العراقية بين الرئيسين ايمانويل ماكرون وبرهم صالح ابان زيارته لفرنسا منذ يومين حيث أعلن الرئيس العراقي، في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الفرنسي أن “الأسرى الفرنسيين الـ14 من تنظيم “داعش”، الذين سلّمتهم “قوات سوريا الديموقراطية” (قسد) لبغداد الأسبوع الماضي، سيحاكَمون في العراق…فهم متهمون بارتكاب جرائم ضد العراقيين وضد المنشآت العراقية، وسيحاكَمون وفق القانون العراقي، وهذا ما يجيزه القانون الدولي”. اما ماكرون الذي أعلن أنه سيزور العاصمة العراقية هذه السنة، فألمح إلى أن المسلحين قد يكونون من حَمَلة الجنسية الفرنسية، بقوله إن “الأمر عائد لسلطات هذه الدول لاتخاذ قرار بشكل سيادي بشأن محاكمتهم هناك، غير أنه يحق لهم الاستفادة من حمايتنا القنصلية، وسيتم تقديم خدمتنا الدبلوماسية لهذا الهدف.”
واوضحت الأوساط، لـ”المركزية”، ان صالح ابلغ ماكرون خلال محادثاتهما ان عملية كومندوس عراقية خاطفة نفذتها قوات النخبة في المناطق الشمالية من سوريا حيث يتحصن بعض عناصر “داعش” افضت الى القبض على 14 فرنسيا ملتحقين بـ”داعش” من اصل نحو 300 ونقلتهم الى العراق لمحاكمتهم، حيث يفترض ان تصدر في حقهم احكام بالاعدام وفق القانون العراقي لانهم قتلوا مواطنين واعتدوا على الامن الوطني.
وأكد صالح ان عمليات الكومندوس العراقية ستتواصل لإلقاء القبض على جميع الاجانب الملتحقين بـ”داعش” لمحاكمتهم كون الجرم الذي اقترفوه حصل على الارض العراقية وليس في فرنسا او غيرها من الدول التي ينتمي اليها اجانب “داعش”، خصوصا اذا كان هؤلاء سيحاكمون في بلدانهم امام محاكم مدنية، على غرار ما حصل في فرنسا مع احد الداعشيين المعروف وشقيقه بالاخوين CLAIN، وهو كان لمدة معينة يطل عبر الاذاعة متحدثا باسم التنظيم الارهابي، حيث عاد الى باريس وحوكم هناك امام محكمة مدنية، ولما قضى مدة محكوميته التي لم تتجاوز خمسة اشهر عاد الى سوريا والتحق مجددا بـ”داعش”. وما دام حكم الاعدام ملغى في فرنسا، فالأجدى محاكمة الداعشيين الذين ارتكبوا جرائم حرب في العراق، ليلقوا المصير المفترض ان يتوافق وما ارتكبوا من جرائم ضد الانسانية، اذ غير معقول ان يحاكم هؤلاء امام محاكم مدنية غير مختصة في جرائم من هذا النوع.
وتكشف الاوساط المتابعة ملف الفرنسيين الذين التحقوا بالمنظمات الارهابية انها على اتصال بالاجهزة الامنية للدول المجاورة لسوريا للطلب اليها التشدد في مراقبة الحدود لمنع تسلل هؤلاء الى اراضيها، بهدف العودة الى اوروبا ووجوب بقائهم حيث هم بعدما قرر العراق محاكمتهم. وتؤكد ان الاجهزة الامنية الفرنسية على تواصل مع نظيراتها اللبنانية لتنسيق الملف والتعاون الاستخباري عبر تبادل المعلومات حتى مع الجانب العراقي الذي يشن عمليات كومندوس على مناطق تواجد عناصر “داعش” بالتعاون والتنسيق مع الاجهزة الامنية للتحالف ضد الارهاب.
واذ تشير الاوساط الى انها تفضل ان يتولى العراق امر هؤلاء، حتى ان روسيا لا تمانع، لا بل تشجع على القضاء على هذه البؤر وإنهاء “داعش” والقضاء على التنظيم من جذوره، بعدما قرر التحالف شن ضربات محكمة على اخر جيوبه في سوريا، تفيد بأن السلطات الفرنسية ابدت ارتياحها لقرار صالح، علما ان السلطات العراقية ستتعامل باللازم مع النسوة والاطفال الذين تبين انهم لا يقلون خطورة عن ابائهم وباتوا يعشقون التطرف ويدعون لأسلمة العالم.