كتب وليد شقير في صحيفة “الحياة”:
توقعت مصادر في “اللقاء النيابي الديموقراطي” وفي تيار “المستقبل” أن تنتظم العلاقة بين الجانبين بعد الخلافات التي ظهرت مطلع هذا الشهر بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، واستدعت لقاءي مصارحة الأول كان بين وفد وزاري – نيابي التقى الحريري قبل زهاء أسبوعين، والثاني خلال العشاء الذي جمع الحريري وجنبلاط في منزل الأول الخميس الماضي في حضور وزيري “اللقاء الديموقرطي” أكرم شهيب ووائل أبو فاعور والوزير السابق غطاس خوري، جرت خلاله مصارحة هادئة بالعمق بينهما تخللها عرض لمآخذ جنبلاط على مواقف الحريري تجاهه.
وعلمت “الحياة” أن هناك توجها أيضا من جنبلاط ومن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لتنظيم العلاقة بين العهد وبين الأول، إثر لقاء الوزيرين شهيب وأبو فاعور مع رئيس الجمهورية في سياق جولة “اللقاء الدموقراطي” على رؤساء الجمهورية والبرلمان والحكومة إثر تأليف الحكومة وما رافقها من تباينات وخلافات في شأن توزيع الحقائب والضغوط التي مورست على “الحزب الاشتراكي” في منطقة الجبل والتي بدا فيها أن “التيار الوطني الحر” يساند خصوم جنبلاط المدعومين من قبل القيادة السورية و”حزب الله”. وهي سببت قبل أسابيع حملات إعلامية ما لبث الفريقان أن وضعا حدا لها، مثلما سعى الحريري وجنبلاط لتهدئة السجال بينهما حين اندلع الخلاف.
وتجلت المساعي من أجل ترتيب العلاقة بين الرئيس عون والزعيم الجنبلاطي بزيارة كل من وزيري البيئة فادي جريصاتي أول من أمس، والمهجرين غسان عطا الله أمس، لجنبلاط، بناء لتوجيهات من الرئيس عون من أجل التنسيق مع رئيس “الاشتراكي” في المواضيع التي تخص وزارتيهما، والتي له دوره في المهمات المطروحة عليهما، ولا سيما ما تبقى من ملفات المهجرين والمصالحات في الجبل. فالوزيران ينتميان إلى “تكتل لبنان القوي” والتيار الوطني الحر”. ووصف جنبلاط لقاءه مع عطا الله بأنه “ودي وصريح وكما سبق وذكرت فانني والحزب الاشتراكي نعلن عن استعدادنا الكامل لكل تعاون معه لختم هذا الملف وفتح صفحة انماء الجبل بشتى المجالات”.
أما الوزير عطاالله فأوضح أنه “من الضروري التعاون مع الحزب الاشتراكي وعلى رأسه النائب السابق وليد جنبلاط ومختلف الأفرقاء لطي ملف المهجرين”.
وكان جنبلاط استقبل أمس السفيرة الأميركية إلزابيت ريتشارد وبحث معها أوضاع لبنان والمنطقة.
انفتاح عون: جنبلاط ركيزة المصالحة
وأوضحت مصادر في “اللقاء الديموقرطي” ل”الحياة” إنه مثلما جرت مصارحة مع الحريري، فإن وزيري “اللقاء” كانا عرضا للرئيس عون في حينها، ما يجري في الجبل من افتعال لحوادث أمنية وخصومات يعتبر جنبلاط أن مصدر التحريض عليها دمشق، وأن رئيس “التيار الحر” الوزير جبران باسيل يتصدر الدعم لكل من رئيس “الحزب الديموقرطي” طلال أرسلان، والوزير السابق وئام وهاب، على رغم أن تطور الأمور نتيجة الخصومات يهدد الاستقرار في الجبل، ولذلك يسعى جنبلاط إلى أن تأخذ الدولة وأجهزتها دورها الكامل في معالجة أي حادث ضمن القانون. وشددا على الحرص المتواصل لدى فريقهما على صيانة مصالحة الجبل. وتطرق البحث إلى ما شاب تأليف الحكومة من ضغوط، بالتزامن مع التطورات في الجبل.
وقالت مصادر واسعة الاطلاع ل”الحياة” إن النقاش مع عون كان مفيدا للجانبين، وأن رئيس الجمهورية أكد لوزيري “اللقاء الدموقراطي” أنه يتفهم موقف جنبلاط وتشديده على أهمية مصالحة الجبل بين المسيحيين والدروز معتبرا أن رئيس “الاشتراكي” ركيزة أساسية في تحقيقها وفي صونها. حتى أن عون علّق على الانتقادات التي وجهها “اللقاء” حول دعوة دوائر القصر الرئاسي شيخ العقل (نصر الدين الغريب) المعين من قبل النائب أرسلان، إلى افتتاح القمة العربية التنموية التي انعقدت في بيروت الشهر الماضي باعتباره غير قانوني (لأن شيخ العقل نعيم حسن منتخب وفق القانون)، فأقر أن هذه الدعوة كانت خاطئة. واعتبرت مصادر “اللقاء الديموقراطي” أن عون كان منفتحا على النقاط التي أثارها شهيب وأبو فاعور، وأن هناك تمييزا بين إيجابية عون وسلوك باسيل الذي يتسم بالخصومة وتشجيعه الخلافات في الجبل.
أما على صعيد لقاءي المصارحة بين الحريري وجنبلاط، فإن مصادرهما قالت أنهما اتفقا في نهاية اجتماعهما الأخير، بعد عرض كل المواقف الخلافية وتلك التي يتقارب موقفهما منها، على مناقشة جملة من النقاط التي يمكن أن تشهد تباينا في المرحلة المقبلة، لا سيما في مجلس الوزراء، ومنها ملف الكهرباء الذي يعتبران أن له الأولوية في معالجته في المرحلة المقبلة. وعلمت “الحياة” أن وفدا من نواب “اللقاء الديموقراطي” ومعه فنيين مختصين بملف الكهرباء سيلتقيان قريبا مع وفد نيابي وفني من جهة الحريري، للبحث في ملاحظات “الحزب الاشتراكي” على الخطط المطروحة في شأن معالجة أزمة الكهرباء، في محاولة لتوحيد وجهتي النظر.
جاء التوافق على ذلك بعد أن شملت المصارحة بين الجانبين كافة المواضيع بهدوء، فعرض فريق جنبلاط ثم جنبلاط نفسه التباينات التي ظهرت بينهما، بدءا من قانون الانتخاب وتقسيم الدوائر، إلى التجالفات الانتخابية، وصولا إلى مرحلة تأليف الحكومة وما شابها من في شأن توزيع الحقائب والحصص، والطلب إلى جنبلاط التخلي عن حقيبة الصناعة… وصولا إلى ما يعتبره الفريق الجنبلاطي تركيب الصيغة النهائية للحكومة في لقاءات عقدت في باريس مع الوزير باسيل، وانتقاداته لتساهل الحريري في ذلك بشكل يمس بصلاحيات رئاسة الحكومة كما نص عليها اتفاق الطائف. وأكدت مصادر “المستقبل” أن الحريري رد على هذه الملاحظات ومنها تنطح باسيل لتحديد برنامج الحكومة قبل بيانها الوزاري، مؤكدا تمسكه بالطائف وأنه لم يسمح بتجاوزه، بل أصر على أن يلعب كرئيس للحكومة دوره وفق الدستور. كما نفى أن تكون الحكومة صيغت في لقاءات باريس، وخفف من وقع ضغوط باسيل في بعض الأجوبة، وانتقد سلوكه في بعضها الآخر. كما أنه رد بعض أسباب التباين السابق إلى سوء حسابات عند بعض مسؤولي “المستقبل”.
مصادر في “اللقاء الديموقرطي” و”المستقبل” أشارت إلى أن كل المواضيع العالقة طرحت، بلا استثناء. بعضها حصل حولها عتاب متبادل ثم تم تجاوزها، وأخرى جرى توضيح موقف كل فريق حيالها مع تمسك كل منهما بنظرته إليها.
إلا أن لقاء الحريري جنبلاط، الذي تم بناء لمبادرة من الأول، بقدر ما سادته الصراحة كان حميما في جزء منه أكد فيه الأول أنه لا يرضى بمحاصرة الثاني في الجبل وأن العلاقة معه تقوم على المحبة والاحترام نظرا إلى مواقفه التاريخية ولأنه قيمة سياسية تاريخية ورفيق درب من بداية الطريق. ونقل عن الحريري تأكيده في الاجتماعين اللذين عقدا إنه هو أيضا يتعرض لهجمة تستهدفه، وبالتالي عليهما أن يتفاهما، وأنه خلال 15 سنة من العلاقة مع جنبلاط لم يرد على انتقاداته له إلا نادرا لانزعاجه. أما جنبلاط فاستذكر بلحظات وجدانية الشهيد رفيق الحريري وعاد بالذاكرة إلى بعض محطات التعاون.
وأشارت معلومات الجانبين إلى أنه بعد استعراض الماضي انتقلا إلى المرحلة المقبلة، ولا سيما ما ينتظر البلد من استحقاقات، تتعلق بأزمة الكهرباء والنفايات والعجز في الموازنة والنازحين… حيث عرض جنبلاط تحفظاته على خصخصة القطاع العام والشفافية في تنفيذ المشاريع، التي طالب بها جنبلاط وأكد الإصرار عليها الحريري لا سيما من خلال الرقابة الدولية التي ستكون لها آليتها في إطار “سيدر”.. واتفق على مناقشة المشاريع حيث هناك خلاف في وجهات النظر، فيما أكدت مصادر “اللقاء الديموقراطي” أن نوابه ووزراءه سيدلون بملاحظاتهم “من دون مسايرة”.