الحرب التي أعلنها حزب الله على الفساد، تبدو غير بريئة، من حيث الطرف المستهدف والتوقيت، ويعتبر كثيرون أن الحزب يتخذ من هذه الحرب مطية لتصفية حسابات مع خصومه السياسيين، ولتحصين نفسه في الداخل في ظل الضغوط الدولية المتزايدة والتي كان آخرها تصنيف بريطانيا لجناحه السياسي تنظيما إرهابيا.
بيروت – ترفع عدة قوى لبنانية يتصدرها حزب الله “مكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين” شعارا للمرحلة منذ إعلان تشكيل حكومة الوحدة الوطنية في يناير الماضي، وسط اعتقاد على نطاق واسع في أن هذه الحرب “حق أريد به باطل”.
وكان الأمين العام للحزب حسن نصرالله قد أطلق في 16 فبراير الجاري معركة على الفساد، حينما قال “إن الأولوية الأولى للحكومة الجديدة يجب أن تكون مكافحة الفساد والهدر المالي”، ليحيل الحزب قيادة هذه المعركة إلى النائب عن كتلته في البرلمان حسن فضل الله الذي أطل الاثنين في مؤتمر صحافي مصوبا على مرحلة ما بين 1993 و2013 مع التركيز على فترة رئاسة القيادي في تيار المستقبل فؤاد السنيورة للحكومة (2009-2005) والتي شهدت جولات من المعارك بين الجانبين بلغت ذروتها في 2008 في أحداث ما يعرف 7 أيار (مايو) حينما استباحت ميليشيات الحزب العاصمة بيروت.
وفي رد من السنيورة على محاولات حزب الله تصفيته سياسيا يطل اليوم الجمعة في مؤتمر صحافي ليفند بالأرقام اتهامات الحزب وخاصة الـ11 مليار دولار التي زعم الأخير أنه تم إهدارها وبينها هبات ومساعدات خارجية منذ حرب “تموز” 2006.
وقال رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام القاضي الشيخ خلدون عريمط الخميس “يُمكن الاختلاف مع الرئيس السنيورة في السياسة أو طريقة إدارته للأمور، لكنه حتماً عنوان النزاهة والاستقامة ورجل الدولة، وهو كان وسيبقى أكبر من الترّهات والكيديات التي مورست ضده سابقا وتُمارس الآن، وعلى حزب الله أن يوقف كل أنواع الفساد والإفساد، ليحق له بعد ذلك أن يسأل أو يتساءل، وليُطبّق حزب الله الأنظمة والقوانين اللبنانية ويلتزم بالدستور قبل أن يطلب من الآخرين ذلك”.
خلدون عريمط: على حزب الله أن يوقف كل أنواع الفساد والإفساد، ليحق له بعد ذلك أن يسأل
وتعتبر دوائر سياسية لبنانية أن الحرب التي أعلنها حزب الله على الفساد هي عنوان ملغوم هدفها الأساسي التصويب على الخصوم السياسيين وتلميع صورة الحزب التي تضررت بشكل كبير في الداخل والخارج خلال السنوات الأخيرة، بفعل تدخلاته الإقليمية خدمة للأجندة الإيرانية.
ولا يخفى أن معركة الفساد التي يرفع شعارها حزب الله هذه الأيام طالت حتى رموزا وطنية في لبنان ومنها رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري الذي قدم مشروعا اقتصاديا ثوريا في لبنان، بشهادة خبراء الاقتصاد.
واضطرت كتلة المستقبل النيابية أمام انكشاف أهداف الحزب إلى الرد بإصدار بيان قالت فيه “بعض المطالعات التي استفاقت مؤخرًا على وجود هدر وفساد في الإدارة اللبنانية افتراء لن يمرّ للاقتصاص من النهج الذي ساهم في إعمار البلد وتطوير الاقتصاد وتوفير مقوّمات الاستقرار الاجتماعي في البلاد”. واعتبرت الكتلة أنه من “الأجدر بمن يرشّحون أنفسهم لمكافحة الفساد أن يسألوا أنفسهم عن كلفة الهدر الذي كانوا شركاء فيه، وعن كلفة تعطيل الدولة والمؤسسات، فضلًا عن الأكلاف الباهظة للحروب والمعارك المتنقلة في الداخل والخارج”.
ويرى محللون أن حزب الله يجد في مكافحة الفساد عنوانا براقا يدغدغ مشاعر جميع اللبنانيين، الذين يئسوا من المطالبة بضرورة محاربة هذه الآفة التي تغلغلت في كامل مفاصل الدولة وأثقلت كاهل الاقتصاد اللبناني الذي يعاني اليوم من أعلى نسب في المديونية، وارتفاع ملفت في معدلات التضخم.
وقد كشفت الجمعية اللبنانية لتعزيز الشفافية، مؤخرا أن لبنان البلد الصغير من حيث مساحته الجغرافية وعدد سكانه يحتل المرتبة 138 عالميا، من أصل 180 دولة، على سلّم مؤشر مدركات الفساد لعام 2018.
ويشير المحللون إلى أن الفساد في لبنان حقيقة واقعة تستنزف خزينة الدولة، وجب التصدي لها، بيد أن تكون هذه المعركة المعلنة مجرد مطية لضرب الخصوم فإن ذلك بالتأكيد لا يخدم هذه القضية الجوهرية، وستكون لها مفاعيل سلبية لناحية “التضامن الحكومي” في مواجهة التحديات التي تعترض لبنان في خضم العواصف الإقليمية.
ويلفت كثيرون إلى أن المعركة على الفساد يجب أن تكون شاملة ومنطلقها العودة إلى سيادة الدولة والقانون من خلال إنهاء وجود السلاح غير الشرعي، وعملية التهرب الضريبي المتهم حزب الله نفسه في التورط بها، فضلا عن عمليات التهريب التي تجري على الحدود السورية اللبنانية، والتغطية على المجرمين في منطقة البقاع وغيرها.
وأعلن “التجمع من أجل السيادة” الخميس، أن محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين هما حاجة ملحّة وضرورية لوقف الانهيار الاقتصادي والمالي، لكن مثل هذه العملية لا يمكن أن تتم في ظل غياب سيادة الدولة والقانون، وفي ظل سيطرة السلاح غير الشرعي على المؤسسات الدستورية وقراراتها.
واعتبر أن “الحملة السياسية والإعلامية التي أطلقها حزب الله وبعض حلفائه في السلطة تحت شعار محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين ليست سوى محاولة لتجميل صورته القبيحة أمام الرأي العام اللبناني، وتحويل الأنظار عن حقيقة دوره في إفلاس خزينة الدولة، وتسيّب إداراتها، ووضع اليد على مقدراتها ومرافقها الحيوية، ومصادرة قراراتها السيادية، وعن حقيقة دور سلاحه وحروبه في تدمير الاقتصاد الوطني وإفلاس المؤسسات الإنتاجية وإفقار الناس”.
عاطف مجدلاني: ما يدعيه حزب الله معركة ضد الفساد، لا يعدو كونه مجرد تصفية حسابات
وهناك خشية واضحة من أن هدف حزب الله من خلال هذا الاستهداف الممنهج لتيار المستقبل وقياداته ورموزه هو محاولة ابتزاز رئيس الوزراء سعد الحريري وإضعافه للهيمنة على الحكومة.
وشدد “التجمع” على أن “حزب الله هو المُدَّعى عليه الأول في ملفات الفساد المالي والسياسي، ولا يمكنه بالتالي أن يضع نفسه في موقع المدَّعي العام، ولا في موقع الحاكم والحَكَم في هذا الملف”.
ودعا “اللبنانيين إلى مواجهة محاولة حزب الله لتزوير التاريخ، من خلال تصوير مرحلة ‘ثورة الأرز” وكأنها مرحلة فساد مالي وأخلاقي، للتغطية على حقيقة كونه سبباً للفساد السياسي والمالي، ولاستكمال انقلابه على الدولة والدستور والديمقراطية، وتحويل القضاء إلى محاكم ميدانية لإعدام خصومه السياديين سياسيا وأخلاقياً ومعنوياً، بما يسمح له بإحكام السيطرة على الدولة اللبنانية ومؤسساتها ومقدراتها وباستنساخ دور ‘حرس الثورة’ في إيران”.
وأظهر حزب الله منذ انطلاق مخاض تشكيل الحكومة الجديدة في مايو الماضي رغبة واضحة في تعزيز حصته الحكومية وحصة حلفائه فيما بدا توجها جديدا نحو التركيز على الشأن الداخلي الذي لطالما كان خارج مدار اهتماماته، ويعزو مراقبون ذلك إلى الضغوط التي يتعرض لها الحزب لمغادرة ساحات المعارك الإقليمية المتواجد فيها وفي مقدمتها سوريا.
ويقول المراقبون إن الحزب يريد تحصين نفسه في الداخل وحشد الرأي العام المحلي حوله في ظل الضغوط الدولية المتزايدة والتي كان آخرها تصنيف بريطانيا لجناحه السياسي تنظيما إرهابيا، بعد أن كانت صنفت جناحه العسكري ضمن لائحة الإرهاب قبل سنوات.
ويحذر كثيرون من أن هذا الأسلوب من شأنه أن ينعكس سلبا على الانسجام الحكومي وأن الأمر قد يصل حد ضرب السلم الاجتماعي، خاصة وأن هذا الاستهداف يطال طائفة بعينها.
ودعا النائب السابق عاطف مجدلاني حزب الله، إلى “تغيير النهج الذي يتبعه تحت مسمى الإصلاح ومكافحة الفساد، والذي قد يؤدي إلى مزيد من الأزمات والخراب”.