ظهرت المعطيات التي سجلت في جلسة مجلس الوزراء في السراي الخميس، وتحديدا ركوب “التيار الوطني الحر” وحزب “القوات اللبنانية” في مركب واحد مناوئ لإقرار الدرجات الست للأساتذة الثانويين على خلفية تداعياته المالية، ان ما يحكم العلاقة بين طرفي “تفاهم معراب”، أقله في الشق العملي التقني، هو طبيعة الملفات وليس خلفياتها السياسية. فما سجلته وقائع الجلسة من تقاطع مواقف جمعت في شكل خاص “النقيضين” السياسيين وزيرة التنمية الادارية ماي شدياق، ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل لجهة طرح الأسباب الموجبة نفسها التي دفعتهما لاتخاذ هذا الموقف والمتصلة بالمالية العامة للدولة، يثبت ألّا انفصال تاما بين الفريقين، كما لا انصهار ولا ذوبان كاملا بل تقاطع “على القطعة” وافتراق “على القطعة” بحسب طبيعة الملف.
في الأمس افترق الحزبان الى الحد الاقصى وما زالا، في ملف بواخر الكهرباء، فاصطف “القوات” الى جانب “الاشتراكي” و”أمل” و”حزب الله” مقابل اصطفاف “التيار” الى جانب “المستقبل”، في حين وقفا جنبا الى جنب في رفض اقرار الدرجات الست الخميس، ما يؤكد، بحسب ما تقول مصادر سياسية مطلعة لـ”المركزية”، ان النهج التقني المتبع من الجانبين يختلف عن مقاربتيهما السياسية، لاسيما في ملفي عودة النازحين والموقف من النظام السوري.
ففي حين اعتبر “القوات” أن التواصل مع النظام السوري لا يمكن ان يعيد النازحين ولا يعدو كونه محاولة لجر لبنان الى التطبيع مع سوريا، اذ ان الجهة الوحيدة التي تملك زمام المبادرة في هذا المجال هي المجتمع الدولي عن طريق الدعم المادي، أصر “التيار” على ان التواصل مع النظام هو الطريق الاسرع لإعادتهم الى ديارهم، ما دام يسيطر ميدانيا على 90% من الاراضي السورية، خصوصا ان المجتمع الدولي يربط عودة هؤلاء بالحل السياسي في سوريا غير الظاهر في الافق حتى الساعة.
وأشارت المصادر الى ان فقدان عنصر “الثقة السياسية” بين “الحليفين” المسيحيين، الذي يرده البعض الى المعركة الرئاسية المقبلة، لا يعني بالضرورة القطيعة، ولئن كانت الاتصالات بين معراب وميرنا الشالوحي شبه مقطوعة، الا من خلال بعض اللقاءات الجانبية ذات الطابع الخاص او عبر “الخط الساخن” في بكركي ولجنة متابعتها المتوقع ان تجتمع قريبا سعيا لتقريب المسافات ومنع توسع الشرخ السياسي الذي استلزم ترميمه جهودا جبارة على مدى سنوات.
وقالت المصدر ان حزب “القوات” يفصل في شكل تام بين علاقته مع “التيار الوطني الحر” ورئيسه، حيث الغياب شبه التام في الرؤية السياسية، والعلاقة مع رئيس الجمهورية التي يحكمها احترام الموقع الدستوري الاول في البلاد في مطلق الاحوال. وفي السياق، يؤكد جعجع استعداده الدائم لزيارة الرئيس ميشال عون حينما تدعو الحاجة، وأن ابواب معراب مفتوحة لباسيل، إذا ما اراد البحث الجدي في اسباب الخلل الذي يحكم العلاقة بينهما.
وإذا كان من نقطة توجب التوقف عندها، تضيف المصادر، فهي ان التقاطع في الملف التربوي وتداعياته المالية يؤكد حرص الطرفين على الولوج الى الدولة القوية القادرة، ولو ان لكل طريقته ومفتاحه. وما حصل في مجلس الوزراء الخميس يفترض ان يؤكد للجميع ان العلاقة بين معراب وميرنا الشالوحي لا ولن تعود الى ما قبل المصالحة التاريخية في 19 كانون الثاني 2016، لكنها في الوقت نفسه لن ترتقي، اقله راهنا، الى مرتبة التحالف السياسي.