أبعد من العاصفة السياسية التي هبّت حول مواقف وزير الدفاع الياس بو صعب خلال مشاركته في مؤتمر الامن في ميونخ واعتراضه على الموقف التركي إنشاء منطقة آمنة في شمال سوريا ووضعها تحت سيطرتها، واعتبارها خروجا عن سياسة النأي بالنفس التي تُشكّل الخطوط العريضة لحكومة “الى العمل”، قراءة بين سطور الموقف الذي دافع عنه بو صعب بإعلانه ان امين عام جامعة الدول العربية احمد ابو الغيط يؤيّد ما قاله انطلاقا من انه يندرج في سياق سيادي قائم على الدفاع عن وحدة وأراضي دولة عربية كما ينصّ عليه ميثاق الجامعة وليس تدخلا في الازمة السورية.
اوساط سياسية مطلعة اثنت، عبر “المركزية”، على مواقف وزير الدفاع، واعتبرتها استباقية خوفا من ان تتم المطالبة لاحقا بإنشاء مناطق امنة على حدود لبنان لنقل النازحين اليها وعندها قد تطلب سوريا الدخول لحمايتهم كما تحاول ان تفعل تركيا في المناطق السورية الشمالية المحاذية لحدودها.
لكن السؤال: هل يمكن للبنان ان يوافق على الخطوة السورية؟ طبعا كلا، تقول الاوساط، وتشدد على “ضرورة ان يلتزم لبنان النأي بالنفس وإلا يتدخل في الازمة السورية التي باتت “حلبة مصارعة” تتضارب فيها مصالح دول اقليمية وغربية وتُفصّل التسوية السياسية لها على اساس مشاريعها الخاصة”.
ويبقى همّ النازحين السوريين يأكل من “الصحن اللبناني” من خلال كيفية تأمين عودتهم من دون انتظار الحل السياسي، كما يُكرر دائما رئيس الجمهورية ميشال عون. وفتحت الجهات الرسمية طريق العودة الآمنة للنازحين عبر منافذ متعددة، ابرزها تكليف المديرية العامة للأمن العام تنظيم قوافل عودة، بعدما وضع المدير العام اللواء عباس إبراهيم آلية لعودتهم الى ديارهم ونجح حتى الآن في تأمين عودة الالاف، وهو مستمر في المهمة ويُحضّر لدفعات جديدة انطلاقا من اتّساع رقعة المناطق الامنة في سوريا.
ودخلت روسيا على خط تخفيف هذا الهمّ اللبناني بإطلاقها مبادرة تؤمّن عودة النازحين الى المناطق المستقرة، لكنها تفرملت بانتظار “الضمانات” المحلية والدولية لوضعها على سكّة التنفيذ.
ووفق معلومات ديبلوماسية لـ”المركزية”، فإن موسكو نجحت في الحصول من النظام السوري على ضمانات للعودة، منها إلغاء القانون الرقم 10 لجهة مصادرة املاك وأراضي للنازحين وإبطال كل مفاعيله واعتباره لم يكن موجودا، عدم التعرض للعائدين وتوقيفهم او تعقبهم، والاهم وقف الخدمة العسكرية لمدة سنتين اي الى ما بعد الاتفاق على الحل السياسي.
وتشير المعلومات الى ان “الجانب الروسي، وبعد جولة مشاورات واتصالات، لاسيما مع دول الطوق ومع الدول التي تستضيف اعدادا كبيرة من النازحين السوريين كلبنان والاردن وتركيا، قد يُبادر في الشهر المقبل نتيجة هذه المشاورات الى طرح الية لعودة النازحين تكون مضمونة أولا من النظام”.
وبما ان لبنان هو المعني الاول بهذه المبادرة كَونه يستضيف العدد الاكبر من النازحين، لن يكون بمنأى عن المبادرة الروسية الجديدة. وفي السياق، لم تستبعد اوساط مطلعة ان “يزور رئيس الحكومة سعد الحريري روسيا ومعه وزير الدولة للنازحين صالح الغريب للبحث في الموضوع والآلية المفترض اعتمادها لتسريع الخطوات باتجاه عودة النازحين، لأن لبنان لم يعد بإمكانه تحمّل عبء النزوح، خصوصا ان حوادث عدة حصلت في مناطق مختلفة تركت تداعيات على العلاقة وحملت الاهالي على مطالبة الدولة بإيجاد حل للنازحين وإخراجهم من نطاق منطقتهم”.
وبالتزامن مع انطلاق التحضيرات لتنفيذ مقررات “سيدر” التي يرتبط جزء منها بالنازحين وإشراكهم في القطاعات الانتاجية، لاسيما الزراعة وورش البنى التحتية، تخوّفت الاوساط “من ان تساعد عملية بدء تنفيذ “سيدر” الى بقاء الكمّ الاكبر من السوريين للعمل في لبنان وفي ورشة المشاريع وإيجاد فرص عمل غير متوفرة الان في سوريا بانتظار ورشة اعادة اعمارها”.