خرج كارلوس غصن من سجنه الياباني بكفالة 8.9 مليون دولار أميركي، من دون أن يتمكن من مغادرة طوكيو قريباً. قضية المبدع اللبناني- العالمي في ميدان الأعمال كارلوس غصن تصلح لأن تكون درساً للدولة اللبنانية ولجميع اللبنانيين.
يُخطئ من يظن أن اعتقال غصن تم على خلفية تهرّب ضريبي أو ما شابه. بكل بساطة حاول كارلوس غصن ألا يلتزم بالعقوبات الأميركية المفروضة على إيران. حاول أن يبقي على مصانع سيارته في طهران، في تحدٍّ غريب للعقوبات الأميركية، فحلّت الكارثة عليه. دخل السجن وعُزل من مهمامه تباعاً في شركتي “نيسان” و”رينو”، وأقصى ما راح تمنّاه بعد ذلك هو أن يخرج بكفالة من السجن، وهو ما حصل بعد 108 أيام على توقيفه!
لعلّ ما حصل مع كارلوس غصن، الحائز على أعلى الأوسمة العالمية، والمكرّم في مختلف دول العالم، يصلح فعلاً لأن يكون درساً للدولة اللبنانية ولجميع اللبنانيين، عشية زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبييو إلى لبنان.
الرسائل التي حملها مساعد بومبييو السفير دايفيد ساترفيلد، وقبله السفير دايفيد هيل، واضحة ولا تحمل أي التباس: الولايات المتحدة جادة جداً في موضوع العقوبات التي تفرضها على “حزب الله” وعلى إيران، ولن تقبل بأي محاولة للتذاكي أو للالتفاف على العقوبات الأميركية، وأن أي محاولة للقفز فوق العقوبات أو التحايل عليها ستكون عواقبها وخيمة. كما أن الرقابة الأميركية على تنفيذ العقوبات ستكون لصيقة، وهو ما تجلّى بشكل واضح من خلال الزيارات الأميركية الدورية لمسؤولين على مختلف المستويات، وخصوصاً من وزارة الخزانة.
إنطلاقاً مما سبق يجدر بالمسؤولين اللبنانيين أن يتعظوا مما حصل مع كارلوس غصن، ليدركوا أن عواقب عدم الانصياع للعقوبات الأميركية ستكون قاسية جداً وموجعة، بشكل لا يمكن أن يتحمله الوضعان الاقتصادي والمالي في لبنان. وبالتالي يُخطئ كثيراً من يعتبر أن الأميركيين لن يذهبوا بعيداً في العقوبات، وإن حصل بعض التجاوزات، خوفاً من انهيار لبنان. فقد بات واضحاً أن لا خطوط حمر أمام الإدارة الأميركية في كل ما يتعلق بخططها بإيران و”حزب الله”، وبالتالي لا صوت يعلو على صوت المعركة مع إيران و”حزب الله” ولا مصلحة تسمو على المعركة معهما. وبالتالي، على الحكومة والمؤسسات اللبنانية أن يتعظا من تجربة كارلوس غصن، وألا ينجرّا لا سمح الله في مزايدات “حزب اللهية”، تفادياً لأي سيناريو قد لا يكون في الحسبان، فلا نجاح غصن ونجوميته، ولا محاولاته في التحايل على العقوبات الأميركية أنقذاه في مواجهة إصرار بلاد العم سام على فرض أجندتها على الساحة الدولية!