IMLebanon

الحرب على الفساد بين الإبتزاز والخطة الوطنية

كتب العميد الركن نزار عبد القادر في صحيفة “اللواء”:

بشّرنا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بأن معركة الفساد قد فتحت «وليست معركة منسية، وبدأت وإن تأخرت بعض الشيء» وبأن ثمة اندفاعاً ومقاومة لهذه المعركة ولكن «لا حصانة لأحد مهما علا شأنه، كما لن يكون فيها تمييز». جميل أن يصدر مثل هذا الالتزام الواضح عن رأس قمة الهرم في الدولة، وهو دون شك مفيد وضروي، حيث لا يمكن لأية حملة على الفساد أن تنجح اذا لم تقترن بتعهد قاطع من قبل القيادات السياسية العليا بالعمل على دعمها ومرافقتها الى خواتيمها. ولكن نسارع الى التحذير بأن الحملة على الفساد ليست شعاراً تطلقه الحكومات في أجواء من الاثارة لإرضاء الرأي لعام وتخفيف حالة الشك والإحباط التي يتسبب بها سوء إدارة الدولة.

صحيح أنه لم يصدر بعد عن الدولة المتمثلة بمجلس الوزراء أية رؤية أو مبادرة تعلن فيها إطلاق الخطة الوطنية للحرب على الفساد، وتعيين الإطار التنظيمي والكادرات البشرية المؤهلة لإنطلاقتها، بالإضافة الى سن تشريعات جديدة او تعديل القديم منها من أجل ضمان قيام الدولة العادلة والقوية.

لكن وقبل أن يعدّ مجلس الوزراء أية إجراءات للوفاء بالوعود التي قطعتها الدولة ومعها كل القيادات السياسية المتمثلة في الحكومة، فقد فاجأنا حزب الله بلسان امينه العام أولاً، وتحرك احد نوابه ثانياً بإعلان اطلاق الحملة دون أية تحضيرات تنظيمية وقانونية وبشرية لازمة لإنجاحها، بتوجهه الى اتهام خصومه السياسيين بالفساد، خلال فترة عصيبة سادت فيها الانقسامات السياسية الحادة بعد اغتيال الرئيس الحريري، وخروج القوات السورية وانشاء المحكمة الدولية، وتداعيات الحرب الإسرائيلية عام 2006.

ظهرت هذه الحملة، بعد ردود الفعل التي اثارتها لدى كتلة المستقبل والقيادات السنية الدينية والسياسية على اختلافها، وكأنها تشكل استهدافاً للرئيس فؤاد السنيورة اثناء ترؤسه لحكومتين في تلك الفترة المعقدة والصعبة التي مرّ بها لبنان.

في رأينا اضلت هذه الحملة على السنيورة الطريق، حيث لا يمكن اعتبارها كنقطة انطلاق للحرب على الفساد، بل يجب وضعها في خانة اللعب على مشاعر الناس، لتكوين رأي عام داعم لها،للاقتصاص من خصم سياسي عنيد وقوي، ومطالبته بإعادة «المال المهدور» . من هنا فإنه لا بد من التساؤل عن اسباب تسرّع حزب الله في إطلاق هذه الحملة: هل هي بهدف الابتزاز السياسي لتيار المستقبل من اجل اضعافه سياسياً وشعبياً؟ ام هي تصويب على الحكومة ومشاريعها الموعودة من خلال تنفيذ مقررات مؤتمر سيدر؟ ام هي لتحقيق كسب موقع متقدم لحزب الله في الحرب على الفساد؟ أم هي للتشويش على علاقات الحريري مع عون والتيار؟

في الواقع كرر حزب الله في ارتجاله لهذه «الهمروجة» في الحرب على الفساد نفس الخطأ الذي ارتكبته دول عديدة في تحويل حملاتها ضد الفساد الى مجرّد شعارات فارغة وغير مؤثرة في احداث أي تغيير يذكر في بنية الفساد.

كان الأجدر بالحزب ان يدرس بعمق الأسس والآليات اللازمة لإنجاح حملته على الفساد، وعما اذا كانت متوافرة لها أسباب النجاح في ظل الشلل شبه الكامل الذي تشكو منه جميع المؤسسات الرقابية والقضائية.

ان الفساد في لبنان هو شامل وكلي، ولا يقتصر فقط على الدولة ومؤسساتها بل هو شامل للقطاع الخاص ولمختلف مؤسسات المجتمع، ولذلك فان الحرب عليه واستئصاله تشكل معضلة معقدة، تتطلب وضع خطة شاملة وطويلة المدى، بمساعدة اختصاصيين دوليين، مواكبين لتجارب الدول الأخرى.

تنطلق خطة الحرب على الفساد من قرار حاسم يتخذه مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية يعلن بدء التحضيرات الفعلية لإطلاق حملة طويلة وفاعلة، تشمل كل وجوه الفساد، بحيث لا تقتصر على بعض الموظفين، بل تشمل ايضاً وبالتوازي القطاع الخاص. يتطلب تحضير وضع خطة بهذه الشمولية جملة خطوات:

1-اجراء حوار وطني تشارك فيه القوى السياسية والقطاع الخاص وهيئات المجتمع المدني ويكون الهدف منه التوصل الى صيغة توافقية حول الأهداف والآليات للحملة، وذلك تجنباً لفتح معارك سياسية جانبية تعرقل مسارها الإصلاحي.

2-تحضير البنية التنظيمية والقانونية للحملة ضد الفساد واختيار القضاة والأشخاص الصالحين والقادرين على قيادتها.

3-تعد الحملة على الفساد بمثابة «انقلاب» يجري داخل إدارة الدولة ويستدعي ذلك تحضير المؤسسات لهذه «الصدمة» من خلال برامج توعية وتدريب وتثقيف مهني ومعنوي.

4-تسير الحملة ضد الفساد بالتوازي بين القطاع العام والقطاع الخاص.

5-من الضروري تفعيل كل مؤسسات الرقابة من اجل دعم وانجاح الحملة على الفساد وتقديم كل الملفات المتعلقة بحالات الفساد واهدار المال العام الى إدارة الحملة.

6-اتخاذ كل التدابير اللازمة لمنع استغلالها سياسياً من أي طرف، والحؤول دون تحويلها من قبل الاعلاتم الى شعارات فارغة بقصد الاثارة والتأثير على الرأي العام.

في النهاية يتطلب نجاح الحرب على الفساد عملاً قانونياً وتنظيمياً ووطنياً واسعاً، وإن أي تسرع او ارتجال في اطلاقها سيؤدي حكماً الى تحويلها الى شعار فارغ، وفتح الباب لاستغلالها سياسياً لتخريب التسوية الرئاسية وتفكيك التضامن الحكومي، وبالتال القضاء على أي أمل بالإصلاح وبالنهوض الاقتصادي.