بعد انتظار دام 24 عاماً على الأقل، انجزت وزارة المال إعادة تكوين حسابات الدولة. اعلن وزير المال علي حسن خليل الثلثاء نتائج الخطوة التي أتمتها دوائر الوزارة قبل أشهر، ليحيل على ديوان المحاسبة قطوعات الحسابات وحسابات المهمة للسنوات الممتدة منذ العام 1993 حتى العام 2017، وعلى الامانة العامة لمجلس الوزراء مشاريع قوانين قطوعات الحسابات للسنوات نفسها.
بعبارات أوضح، بات للدولة حسابات، بعد سنوات من الضياع والتضييع. بات في مقدور ديوان المحاسبة، ومجلس النواب، فتح تحقيقات لمعرفة كيفية إنفاق كل ليرة دخلت إلى الخزينة العامة. ما قامت به الوزارة على مدى نحو أربع سنوات هو كناية عن إعادة تكوين لحسابات لم تكن صحيحة. لم تكن صحيحة، رغم القصائد التي تُنظم في مديح «رجال الدولة» الذين تولوا وزارة المال وجيوش مستشاريهم. والحديث هنا ليس عن «أخطاء محاسبية»، بل عن جرائم ارتُكِبت بحق المال العام: ثمة اموال انفِقت ولم يكن أحد يعلم أين أنفقت، ولا كيف ولا لماذا ولا بناءً على أي سند قانوني.
وثمة أموال سُرِقت، بكل ما تعنيه كلمة سرقة من معنى (يجري الحديث عن اكتشاف نقل أموال إلى حسابات خاصة). كمية الخطايا المُرتكبة في الحسابات توضح سبب مسارعة الرئيس الأسبق للحكومة، وزير مال دولة ما بعد الطائف، فؤاد السنيورة، إلى وضع نفسه في قفص الاتهام، والدفاع عن نفسه، تارة برمي التهم على المدير العام للمالية ألان بيفاني، وطوراً بحماية مذهبية قرر تيار المستقبل تأمينها له. وزير المال علي حسن خليل أكّد الثلثاء ان موازنة 2019 ستصدر بعد إنجاز قطع حساب العام 2017 («قطع الحساب» يعني تحديد ما تحقق من إنفاق الدولة وجبايتها على مدى عام مضى.
اما الموازنة، فهي تقديرات لما ستنفقه وتجبيه في عام مُقبل. ولا يمكن إصدار قانون موازنة للعام المقبل من دون إصدار قطع حساب العام المنصرم). وإنجاز الحسابات، ثم تدقيق ديوان المحاسبة فيها، ثم إصدار مجلس النواب قوانين بقطوع الحسابات كلها امور تعني ان المالية العامة يمكنها أن تنتظم، قانوناً، للمرة الاولى منذ العام 1992 (طبعاً في حال الالتزام، مستقبلاً، بإصدار قانون موازنة كل سنة قبل بدايتها).
ويعني أيضاً أن امام ديوان المحاسبة مهمة كبرى، وهي التحقيق في كل الارتكابات؛ وان أمام مجلس النواب مهمة اكبر، لا تقتصر على التصديق على قطوعات الحسابات واعتبارها تصحيحاً لتلك غير الدقيقة التي سبق أن صدّقها مع التحفظ قبل العام 2004، بل تتجاوز ذلك إلى المحاسبة وعدم العفو عما مضى. الكرة الآن باتت في ملعب رئيس الحكومة سعد الحريري. الإصلاح ومحاربة الفساد وحسن سير عمل الدولة تقضي بأن يتعامل مع مشاريع قطوعات الحسابات كأولوية تتجاوز كل ما عداها. لكنّ بيان كتلة المستقبل أمس لا يبشّر بالخير.
مرة جديدة، اعلنت «الوقوف إلى جانب الرئيس السنيورة، وإدانة الحملات التي تستهدف النهج الاقتصادي والسياسي الذي يمثله مع كافة الذين نذروا أنفسهم لخدمة لبنان والدولة إلى جانب الرئيس الشهيد رفيق الحريري». إنْ كان الكلام السابق «طبيعياً»، فإن ما هو غير طبيعي اعتبار المطالبة بالمحاسبة «اختلافاً في وجهات النظر» و«سجالات ومعارك لا طائل منها».