كتب عبد السلام موسى في صحيفة “الجمهورية”:
لا يجب أن ينسى اللبنانيون كيف تحوّلت «حكومة المقاومة الديبلوماسية بامتياز»، على حدّ تعبير رئيس مجلس النواب نبيه بري، إبان حرب تموز 2006، إلى «حكومة فيلتمان»، بعد الحرب، بفعل قرار «حزب الله» الذي انبرى للهجوم على رئيسها فؤاد السنيورة وتخوينه، رغم شهادة بري «الصادقة» بحكومته و«أسلوب التشاور» الذي اتّبعه داخلها، وحقق من خلاله «النقاط السبع» التي وافق عليها وزراء «حزب الله»، وكانت الأساس لصدور القرار 1701، ووقف الحرب التي جنت الويلات على لبنان، إلى الحدّ الذي دفع السيد حسن نصر الله إلى القول: «لو كنت أعلم أنّ ردة فعل إسرائيل ستكون بهذا العنف لما كنت خطفت جنودها»!.
كان واضحاً أنّ الهدف من هجوم «حزب الله» على السنيورة في ذلك الوقت إلهاء جمهوره، كما كل اللبنانيين، بمعركة سياسية تجعله ينسى ويلات الحرب، وما تركته من دمار بشري واقتصادي واجتماعي.
وكان «تخوين السنيورة»، وما تلاه من مسار سياسي ارتدّ به «حزب الله» على الداخل، هو دواء الحزب لجمهوره للنسيان، من حصاره في السراي واحتلال وسط بيروت، إلى أحداث 7 أيار 2008، وما بينهما من أحداث.
اليوم، «رجعت حليمة لعادتها القديمة»، كما يقول المثل بـ«العامية». «حزب الله» في مأزق مع جمهوره، ومع باقي اللبنانيين، ولا يجد حرَجاً في اعتماد سياسة الهروب إلى الأمام، والعودة إلى مسرح الهجوم على السنيورة، من بوابة الفساد وقصة الـ 11 ملياراً التي باتت تشبه قصة إبريق الزيت، كما لو أنّ الحزب يخوض حرباً استباقية، كي لا يصل «موسى الفساد» إلى ذقنه.
اليوم أيضاً، «فاقد الشيء لا يعطيه»، فالقاصي والداني يعلم بفساد منظومة «حزب الله» التي ترعى دويلةً في قلب الدولة، تستبيح المرافئ الحدودية، وتحمي مافيات التزوير والمخدرات والتهرب الضريبي وسرقة السيارات، ناهيك عن مسؤوليته عن كلفة تعطيل الدولة والمؤسسات والاستحقاقات الدستورية، في السنوات الماضية، والتي قدّرها تقرير أعدّه خبراء تشريعيون واقتصاديون بـ 35 مليار دولار، فضلاً عن توريط لبنان في الأكلاف الباهظة للحروب والمعارك المتنقلة في الداخل والخارج، وتداعياتها الكارثية على الاقتصاد ومصالح اللبنانيين، وعلى بيئته بالتحديد، ومن ضمنها رجال الأعمال الذين يئنّون من سياساته التي تحاصرهم في كل مكان، ولا سيما بعد تصنيفه حزباً إرهابياً في أكثر من دولة غربية وعربية.
يخطئ «حزب الله» العنوانَ مرةً جديدة. يدين نفسه بلغة الافتراء والكيدية في معرض سعيه لإدانة مَن لا يُدان، بلغة الارقام والمستندات، وبأداء رجال الدولة، وبتاريخٍ يشهد لنهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري، المستمر مع الرئيس سعد الحريري ورفاق دربه من أمثال السنيورة، أنه حمى لبنان في أصعب الظروف، وأعاد إعمارَه، وطوّر اقتصاده، وأمّن مصالحه واستقرارَه، ودافع عن سيادته واستقلاله.
اليوم، مَن أعلن الحربَ على الفساد هو الرئيس سعد الحريري، وليس لديه ما يخفيه حيال المرحلة الماضية، ومَن حاول تحويرَ وجهتها هو «حزب الله»، لكن بمسرحيةٍ رديئةِ الإخراج ارتدّت عليه، وردّ عليها «تيار المستقبل» بما يستوجب الرد، بعد أن «فقا» السنيورة «دملة» الـ 11 ملياراً بالمستندات الموثّقة في وزارة المالية، والتي أكّد على وجودها وزيرُ المال علي حسن خليل في مؤتمره الصحافي، قبل يومين، بعيداً من لغة الاتّهامات التي بدا في كلامه متحفّظاً عليها. ومن ثمّ تأكيدُ مدير عام وزارة المال ألان بيفاني، في ختام مؤتمره الصحافي بالأمس، على خلاصة أن «الـ11 ملياراً موجودة «قرشاً قرشاً» في الحسابات، وبات معروفاً أين صرفت، وبمنتهى الشفافية ليس فيها ما يدفع الى الخوف».
اللبنانيون سئموا من «متلازمة الفساد» التي يطالعهم بها «حزب الله»، كونها تحوّلت إلى «قميص عثمان سياسي» غب الطلب، فمَن كان «بيته من فساد» فليكف عن رشق «الأوادم» بحجارة «العفة».